التحرك بأمة بحجم الفيل مثل مصر يتطلب
بالضرورة 3 بديهيات أساسية
من أين جئنا؟؟؟
أين نقف الأن؟؟؟
أين نريد أن نذهب أو أين يتعين علينا أن نكون
فى المستقبل؟؟؟
بدون ما نعرف أجوبة لهذه الأسئلة الثلاث
فإننا غالبا سنظل نتخبط كما يحدث الأن بدون بوصلة أو وسيلة للتهدئة و إلتقاط الأنفاس..........
هذا المقال محاولة لقراءة ما نحن قادرون على
قبوله و فعله من وجهة نظري بصرف النظر عن ما نحن راغبون فى فعله..... ما هو ممكن و
متاح ليس فقط ما هو مرغوب و مطلوب.
كنت فى حوار مع أحد الأصدقاء بالأمس و أثار نقطة
أراها هامة, حيث قال أننا لا نستطيع تطبيق الفكر الليبرالي ليس لعيب فيه فى حد
ذاته و إنما لأن وجوه التيار الليبرالي و رؤوسه (أو غالبيتها إن شئت الدقة), لا
تقوم بتطبيقه أو بإعتناقه –حسب رأي صديقي- ابتداءا..... و على الرغم من وجاهة
الطرح الذى جاء به و إنطباقه على البعض فعلا و قولا, إلا أنى لا أقبل به إلا بعد
أن نقوم بتعريف للمصطلح ذاته
الليبرالية كما جاء بالموسوعة البريطانية هي النظرية
السياسية التي تضع حماية و دعم حرية الفرد كأساس للعمل السياسي, و هي كفكرة جدلية
تحمل الكثير من النظريات حول حدود دور الحكومة كجهة سلطة و إدارة (يمكن الإطلاع
على المزيد من خلال هذا الرابط http://www.britannica.com/EBchecked/topic/339173/liberalism).
كما أن الليبرالية يمكن تعريفها تعريفا أخر ببساطة أنها حق الأقليات (و لو كان فردا) فى
إعتناق ما شاء من أفكار ووسائل تعبير لنقل مضمون أفكاره و أحاسيسه. كما أن
الليبرالية فى التعريف الخاص بالأحزاب اليمينية المصرية الطريفة أنها رغبة نفر من
الساسة و المنحلين فى نشر الشذوذ و الدعارة فى مجتمعنا الملائكي!!!!..........
بصرف النظر عن الشطط فى رؤية الليبرالية كشر
مبين أو حل سحري, فإنني (معبرا هنا عن رأيي الشخصي بلا خلفيات أكاديمية) أري أن
الليبرالية (مع الأفكار السياسية الأساسية الأخري كالاشتراكية و المحافظة اليمينية
و غيرها...) مجرد أداة طيعة لينة فى يد من يطبقونها, تختلف (و لا بد أن تختلف
بطبائع البشر و طبائع الأمور) من بلد لبلد و من مجتمع لمجتمع و من ثقافة للأخري. بل
إنها من الممكن أن تختلف فى ذات البلد من الحضر للريف و من الغني للفقر. و إن شئت
أنا أن أضع تعريفا لليبرالية أراه لازما و ملزما لي و موافقا مع خلفيتي و ثقافتي
و..... فإني أقول (الليبرالية هي كفالة حق الحرية للفرد أن يقول و يعتقد و يعتنق
ما شاء من أفكار أو عقائد دون أن يستخدم ذلك التعبير فى الحط من حريات الأخرين أو
إيذائهم و أن يحمي المجتمع و القانون حقه و واجبه)
بهذا التعريف أري حق الإنسان أن يعبد الله أو ألا يعبده و أن يصلى أو لا
يفعل و أن يسافر أو يتحرك أو يعمل, إنطلاقا من عقيدتي بأن الله سوف يحاسب كل شخص
"و يسأله" عما فعل, لذا فإن مسئولية الإنسان عن أفعاله و بالتالي خضوعه
لسؤال ربه لا تتأتي إلا بحصوله على حقه فى الإختيار. بل إن المولي عز و جل قال فى
كتابه الحكيم "من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر". لم أري فى أفكار أي
ليبرالي قدر أكبر من هذا من الحرية, فالخالق يعطي مخلوقه فى كتابه إليه الحق ألا يؤمن به
شريطة أن يعلم إختياره و أن يعلم تبعات هذا الإختيار.... أليست هذه ليبرالية؟؟
و الحقيقة أن المسمي لا يعنيني كثيرا, فاللفظ
تم نحته عربيا من كثرة الإستخدام و ليكن اسمها ليبرالية أو سنية .... المهم
المعني.
بهذا المعني – إن قبلناه ابتداءا – نجد أن
الفكرة الليبرالية السياسية و الإجتماعية هي مجرد أداة من الممكن أن تختلف من
مجتمع لمجتمع, بل إنني أري أن الليبرالية من الممكن أن تتواجد فى مجتمع محافظ
بصورة جزئية (مثلما تري فى أقاصي الصعيد المحافظ السياح (أيام ما كان هناك سياح)
يتجولون بحريتهم دون مضايقات تذكر (قبل مولد سيدي المتحرش) بملابسهم
"المتحررة")
و لا ننسي أن الليبرالية المفرطة و كذلك اليمينية أو اليسارية المفرطة قد نضبا تقريبا من العالم, و أن صعود يمين الوسط و يسار الوسط قد قلصا من الفوارق بين الأفكار المختلفة بعد أن أخذت كل منها من الأخريات ما أخذت و صاروا أقرب لبعضهم مما قبل. لذا فما بقي من أفكار محافظة و يمينية ريجان و تاتشر و يسارية لينين و ماو قد أصبحت اشتراكية العدالة الإجتماعية و يمينية تشبه بعضا من ملامح الليبرالية.......... أو هكذا أزعم.
و لا ننسي أن الليبرالية المفرطة و كذلك اليمينية أو اليسارية المفرطة قد نضبا تقريبا من العالم, و أن صعود يمين الوسط و يسار الوسط قد قلصا من الفوارق بين الأفكار المختلفة بعد أن أخذت كل منها من الأخريات ما أخذت و صاروا أقرب لبعضهم مما قبل. لذا فما بقي من أفكار محافظة و يمينية ريجان و تاتشر و يسارية لينين و ماو قد أصبحت اشتراكية العدالة الإجتماعية و يمينية تشبه بعضا من ملامح الليبرالية.......... أو هكذا أزعم.
إذا قبلنا بهذا الطرح, فإني أري أن
الليبرالية المصرية قد أخذت بفهم مطلق على أنها (كسر القيد) و طبقت سياسيا فقط حتي
الأن من كسر قيد الخوف من السلطة وصولا إلى كسر قيد الخوف من رأس السلطة وصولا إلى
استسهال مواجهة السلطة بل و استعذاب هذا الأمر و الحرص عليه و لو من باب التسالي. و
هذا فى الحقيقة من الحواشي فى رأيي. أرى ذلك لأن المشكلة الحادثة فى مصر الأن ليست
مشكلة هينة أو عابرة و إنما هي مشكلة متصلة بوجود حقيقي لأقدم حكومات الكوكب التي
صارت فى مهب رياح عاصفة.
الدولة ضرورة فى رأيي, ضرورة للمجتمع و
الفرد. و ذهابها و بقاء قوانين كثيرة محلية عرفية أو غير ذلك ليس فى مصلحة أي شخص
كان. بل إنني أري أن الدولة كلها ليست سوي القانون, إن ذهب احترامه ذهب احترامها و
إن ذهبت سطوته ذهبت سطوتها و إن جرى امتهانه جري امتهانها. و العجيب فى الحالة
المصرية, أن القانون (وهو الدولة فى نظري) قد تم انتهاكه و اغتصابه وسط زراعات
الحكومة و الدولة قبل أن ينتهكه العامة. و إن كانت الثورة بطبيعتها و بالتعريف هي خروج على القانون, فإن
حكومة ما بعد الثورة قد قامت بثورتها الخاصة و جعلت القانون المصري عاهرتها
المحظية,,,, ثم نتعجب من حالات إختراق القانون من المواطنين!!!!!
المهم..................
كل هذه المقدمة المملة هدفها واحد فقط, تصوير
كيف يري الناس (فى غالبيتهم و من وجهة نظر شخصية للكاتب) الفكرة الليبرالية و إن
خالف ذلك التعريف و النظرية.
رأيي أننا نحتاج إلى الليبرالية ..... بعد
قليل من التعديلات.... و لكن لماذا نحتاج إلى التعديلات؟ لأن الشعب المصري يميني المزاج بطبيعته و يبدو من الأحداث أنه سيظل محافظا لبعض الوقت
هنا تأتي أهمية الأسئلة الثلاث فى بداية
مقالي, و أزعم أن ما سأقوله هو محاولة ساذجة للإجابة عنها
نبدأ من المنتصف, أين نحن الأن؟
بلا مبالغات, أري أننا كبلد (إن جاز التعبير)
كنا على مدي عقود طاردين للكفاءات فأضحينا بعد ثورة ملحمية طاردين للشعب, على شفا
حرب أهلية من الممكن أن تشتعل بسبب خلاف على "ركنة عربية", بلا أي قدرة
للسلطة على فرض القانون (و بلا رغبة أيضا كما يبدو), بلا أي تواجد للقانون و
بالتالي بلا قدرة على حفظ الحقوق و الأرواح و الممتلكات, بلد يسٌرق فيها محافظ
بحراسته جهارا نهارا و يحتفل وزير داخليتها الميمون بمؤتمر صحفي بقدرة مغاويره على
استرداد سيارة محافظ بنكها المركزي بينما تسرق سيارات المواطنين لدى لصوص معرفين
اسما و شكلا و مكانا و يتوجه أصحاب السيارات لدفع حلاوة سياراتهم لإستردادها بعد
أخد نمرة محمول السمسار من الشرطة.
بلد يواجه فيه أبناؤه بعضهم بعضا فى الشوارع
لساعات و أيام بالطوب و المولوتوف و ما يستجد بينما رئيسه يعبث بأعضائه على
الهواء, بلد يحكمه مرشد و نائب مرشد و أزلام و أقزام كل فى مكانه و لا تقضي فيه
مصلحة و لا يؤخذ فيه فعل إيجابي واحد و الكل يشكو من المؤامرات, و لا أفهم ما حاجة أحد
للمؤمرات و نحن هكذا؟؟؟؟
أظن الموقف الحالي واضح, بلد يكره نفسه و
بعضه بعضا و على شفا الحرب الأهلية الباردة أو الساخنة و الكل يندب و لا يبدو الحل
قريب
و نذهب للسؤال الأخير, أين نريد أن نذهب؟؟
أزعم أننا نريد أن نذهب إلى أفضل الأحوال, و
لكن مع وضع ما هو كائن فى الإعتبار, فلابد أن نضع مطلبا واقعيا نصل إليه ثم ما
يليه و ما يليه و ..... و لعل المطلب الواقعي الأن من وجهة نظري هو الوصول إلى
مؤسسات سياسية ثلاث مستقرة, و لن يتحقق الإستقرار إلا بكونها محترمة و لن يتحقق
الإحترام إلا بكونها تحترم نفسها ابتداءا, هذه المؤسسات الثلاث هي الدستور,
الرئاسة و البرلمان.....
دستورنا الحالي ليس إلا... (ربنا يستر على
ولايانا) و ليس ذلك لعيب النصوص و ركاكتها فحسب و إنما لكونه على ما فيه لم يرضى
حتي واضعيه (راجع حكم المحكمة الدستورية فى شأن قانون الإنتخابات الجديد)
الرئاسة, أما أن الأوان أن يكون لدينا رئيس
للجمهورية بعد عامان و أكثر بلا رئيس؟ إن مصر أيا كان نظامها ستظل طويلا بطبيعة الحال دولة رئاسية, لا يمكن أن يستمر الوضع هكذا, لابد من وجود رئيس مصري قوي, غير
منتم سياسي يحظي بدعم مؤسسات الدولة القديمة,,,, و هذا تحديدا هو مربط فرس المقال (لا تقلق, أعلم أن هناك ساكن فى الإتحادية, و لكن أرجوك لا تسمه رئيسا,,,,, إن كان هو نفسه مش بيتصرف على أساس كدة, عايزيني أنا أسميه كدة؟!!!).
البرلمان, سيكون من اللطيف أن يكون لدينا
برلمان, سيكون من الألطف أن يضع هذا البرلمان قوانين.
نعود للسؤال الأول و هو أين كنا؟؟؟ و علاقة ذلك بالرئاسة
لا أظن أن هناك فى بر مصر الأن متابع للشأن السياسي العام (إلا بالطبع الإخوان) إلا و يمكن أن يتفق معي فيما يلي:
نعود للسؤال الأول و هو أين كنا؟؟؟ و علاقة ذلك بالرئاسة
لا أظن أن هناك فى بر مصر الأن متابع للشأن السياسي العام (إلا بالطبع الإخوان) إلا و يمكن أن يتفق معي فيما يلي:
- مصر بلا رئيس حقيقي, و إنما شبح لشخص لا نعلم و لا يعلم موجبات وظيفته و قدرها و أهميتها
- مصر بصرف النظر عن شخوص الحكومة و رئيسها و رجالها تتطلع إلى شاغل منصب رئيس الجمهورية للحل و العقد
- الوضع الإقتصادي و السياسي و الإجتماعي متفجر و يكاد يخرج إلى مرحلة اللاعودة
- مصر من الواضح أن اضطراب الأوضاع فيها يرضي خصومها المحليين و الدوليين إلا أنه فيما يبدو و للأسف يرضي من هم من المفترض من حلفائها المحليين, و أنا أتكلم عن الدعم السياسي و الإجتماعي و ليس الإقتصادي, بما يجعل علينا لاحقا أن نراجع مواقفنا تجاه "جيران" متحفزين بلا سبب واضح (لي على الأقل)
- الإخوان لهم أولويات تختلف فيما اتضح عن أولويات باقي الشعب, من السيطرة و التمكن من كل الأمور أولا ثم البحث عن سبل لحلب الوقت و ليس لحل المشاكل.
إن الأمر الذى أرمي إليه فى هذا المقال (لو جابتك نفسك تقرأ لحد هنا.......) هو كيفية الوصول لحل سياسي فى الوضع الراهن يراعي 3 نقاط أراهم أساسية:
- المزاج الشعبي العام
- الحفاظ على تماسك الدولة و تجنب الإنزلاق أكثر تجاه الحرب الأهلية الساخنة أو الفضي الشاملة
- التأسيس لوضع مستقر شرعي عادل.
أرى أن المزاج المصري العام و لو أنه الأن ثوريا إلا أنه يبقي يمينيا أكثر, و اليمين (أو ما سنطلق عليه لفظة التيار المحافظ) هو فى تقديري الأكثر غلبة على المزاج العام, و يتمثل فى التيارات المحافظة اليمينية ذات البعد الديني, والتيارات شبه الشوفينية ذات الخلفية العسكرية و التي تعتبر نفسها محتكرة الوطنية و الشرف العسكري (و منهم من حكم مصر طوال 6 عقود). و قد كان للدكتور فرج فودة فيما أظن قديما رأيا يري أن مصر ستدور بين يمينية عسكرية و يمينية دينية و هكذا دواليك.
و الحقيقة أن تحدي هذا المزاج لا ينفع, و إنما محاولة التماشي معه و تغييره فى فترات الإستقرار أكثر نفعا فى رأيي.
لذا فإن أي حل سياسي يتجاهل هذا المزاج هو من أنواع الحرث فى البحر
ثاني الضوابط هو الحفاظ على وحدة الدولة و التأسيس لفكرة حكم القانون و ه التي أراها السبيل الوحيد لتماسك الدولة و استمراريتها كما عرفناها فى مصر لألاف السنين. و لا أري طائلا من الشرح فى هذه النقطة أكثر من ذلك.
أي حل سياسي لا يقوم على تماسك الدولة أو تقسيمها ظاهريا أو باطنيا هو حل أراه جدير بأن يأتي من العدو و ليس من أي صديق.
النقطة الثالثة هامة للغاية, إن شرعية الحكم لا تأتي بالقوة و لا حتي بمظهر وحيد من مظاهر الديمقراطية (مثل صندوق الإنتخاب) بل تأتي بكون الحاكم (أو القانون أو السلطة) مقبولا بدرجة أكثر من رفضه قبل و أثناء حكمه بما يجعل المصالح التي تترتب على القبول به كحاكم أكثر من المضار و المفاسد التي تتأتي من استمراره, و هذه الشرعية وحدها لا تكفي بل ينبغي أن تأتي مقترنة بعدالة يراها غالبية المواطنين. بل إن شعور المواطنين بالعدالة (و لو فى الظلم و الفقر) أكثر تأسيسا للشرعية من أي شيء. هنا و هنا فقط تصبح التنمية و النهضة مرحلة منطقية.
مما سبق, أري أن حكم الإخوان قد خرج على النقطتين الثانية و الثالثة, فهم قد هددوا بنيان و تماسك الدولة (راجع أحداث الإتحادية الأولي و مدن القناة) و كذا خالفوا شرعية الحكم و عدالته (راجع ما شئت من أحداث بعد 21 نوفمبر من الإعلان الدستوري الكئيب و أحداث الإتحادية و العصيان المدني فى مدن القناة و حصار المحكمة الدستورية و إفتئات إمعات الجماعة على التحدث بإسم السلطة و تقنين العنف الشرطي......إلخ)
إلا أنه لا ينبغي أن ننسي أنه لا يزال الإخوان يشكلون جزءا مؤثرا من التيار المحافظ فى هذا المجتمع و ليسوا مكروهين لفكرهم و إنما لتطبيقاتهم الشاذة لهذا الفكر التي غلًبت الفكر القطبي (نسبة لسيد قطب) على الفكر الدعوي و الإصلاحي للبنا و رشيد رضا من قبله.
طيب إيه الحل؟!!!!!!!!!!!!
أبني ما أراه على ما أظنه حقيقة من كون طبيعة المجتمع المصري طبيعة قديمة, تؤمن بالمؤسسات القديمة و تثق بها ثقة كبيرة. و لعل ما حدث فى مصر من بعد يناير 1977 ما جعل المصريون ينظرون إلى مؤسسة الشرطة على أنها ليست من "مؤسساتهم" الوطنية و هو إحساس على مرارته حقيقي, فقد إختارت الشرطة في عقود أربع و لا تزال أن تكون عصا فى يد الحاكم مهما كان غبنه و اضطرابه النفسي. بقي للشعب مؤسسات يكن لها إحتراما ما, يتزايد و ينقص بعض الأوقات إلا أنه لم يصل بعد لرصيد الصفر, أظن أن هذه المؤسسات على ترتيب إجلالها هي الجيش و القضاء و المؤسسة الجامعية العلمية.
مما سبق و مما عرضت فإنني أري أن الشعب المصري رغم خطايا المجلس العسكري طوال الفترة الإنتقالية لا يزال يكن ودا و إحتراما للمؤسسة العسكرية كمؤسسة من "مؤسساته" و ليس من "مؤسساتهم" (نسبة للسلطة الحاكمة) و إن ظل التوجس الخافت المعقول من إنغماسهم فى السلطة أكثر مما ينبغي و أكثر مما نريد.
و كذلك المؤسسة القضائية, التي لا تزال تحظي بإحترام ما (و إن كان أقل من سابقتها) فى قلوب المصريين, قلل منه مواقف النائب العام السابق و مغتصب منصب النائب العام الحالي, و كذلك قلل منه دون شك أحكام مهرجان البراءة للجميع رغم قلة مسئولية المؤسسة القضائية فى رأيي عنه.
و تأتي المؤسسة الجامعية العلمية (المصدر الأساسي للوزراء و التكنوقراط) فى المرتبة الثالثة لما يجده المصريون فى قلوبهم من تقدير للعلماء (و إن لم يتخذ المصريون العلم سبيلا!!!)
أري أن الحل الممكن سياسيا بناءا على الطرح الذي طرحته يتكون من النقاط الأتية, و هو محاولة غير مكتملة و لا ممتازة و إنما هي مساهمة بفكر متواضع غلب على ظني إمكانية أن يكون صوابا:
- استمرار حكم محمد مرسي الأن أصبح مسألة فى غير صالح البلاد كما أراها, فهو لا يملك قراره الشخصي ناهيك عن إمتلاك ناصية قرار البلاد, فقد قبل على نفسه أن يكون مندوبا رئاسيا لا أكثر لجماعة إعتادت العمل فى الظلام حتي أعمت أضواء النهار بصرها و بصيرتها و فقدت إتصالها بتاريخها النضالي و الدعوي.و أري ضرورة استمرار الضغط عليه من المؤسسات القديمة ليستقيل ( و ليس لإسقاط النظام أو التنحي على الطريقة المباركية)
- الدعوة لإنتخابات جديدة الأن يشبه إعادة توزيع أوراق اللعب على منضدة بثلاثة أرجل,,,, غالبا ستؤدي إلى مزيد من خلط الأوراق... إلا أن بقاء مصر بلا رئيس فيما يشبه ما حدث بين 11 فبراير 2011 و 30 يونيو 2012 هو بلا شك عندي أكثر ضرارا, فلا مناص منه من باب أخف الضررين.
- الصندوق مظهر الديمقراطية البراق, جاء لنا برئيس بلا توافق, و خلق لنا توافقا ضده بعد حكم استمر أقل من سنة. لذا ربما كان علينا أن نفكر مرة أخري في كيفية الحصول على رئيس يحصل على دعم الغالبية و أن يعمل بضمانات لا تجعله يحيد عن الخط المرسوم له من قبل الشعب. أرى نظرا لإحترام الشعب للمؤسسات القديمة التي ذكرتها فى الفقرات السابقة أن يحدث توافقا ما, غير معلن و إنما يكون ضمنيا, على مرشح من بين رجالات إحدى هذه المؤسسات (و أفضل أن يكون من رجال المؤسسة القضائية) بحيث يحظي بخبرة قانونية تجنبنا الخرف الذى ابتلتنا به مؤسسة الحكم الحالية و يحظي بدعم من القوات المسلحة (التي لم تناهض الرئيس الحالي حتي قبل أيام قلائل و لم تدعمه بقوة أيضا) و يحظي كذلك بدعم مؤسسات الدولة القديمة العميقة (و هو ما ربما لم يحظي به أيضا نظام الحكم الحالي, و إن كان غاب عنه لأفعاله و ليس لخلفيته). و أظن أننا سنجد أسماءا تصلح لهذا الأمر فى المؤسسة القضائية و تكون مدعومة من الجيش و المؤسسات الدولة. و يجب إحداث هذا التوافق بين المؤسسات القديمة الثلاث سريعا و قبل تحقق النقطة الأولي.
- العمل على تعديل دستور 2012 بما يزيل عواره و جعله مؤقتا لفترة لا تجاوز عشر سنوات.
- إعادة النظر فورا فى مجموعة من القوانين الموجودة فى مصر (مثل قوانين الحقوق السياسية و القوانين المنظمة لعمل الشرطة و قوانين العقوبات.
- يعهد فورا بالملف الإقتصادي المتحلل لمتخصص مصري على درجة عالية من الإحترافية مثل محمد العريان ( لمن لا يعلم من هو الرجل, راجع هذا الرابط http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D9%86)
- يعهد بالملف الشرطي إلى متخصصين من خارج الجهاز و قلة من داخله لإعادة هيكلة الجهاز بالكامل و فصل الشرطة الخدمية عن الجنائية و نقل تبعية الشرطة الإستخباراتية لهيئة الأمن القومي و إنشاء جهاز شرطة تنفيذي يخضع لسلطة المحاكم.
- تقديم برنامج سياسي إقتصادي إجتماعي مشمولا بمشروع أو مشروعين قوميين على مستوي كبير لتنفيذهما فى خلال عشرة سنوات, تتعهد كل أجهزة الدولة برعايته و دعمه للوصول به إلى النجاح المأمول. هذه المشاريع متاح منها بالفعل الكثير لدي بعض الأحزاب متضمنة خطة عمل متكاملة (مثال الخطة الزراعية الخاصة بحزب الوفد, الخطة الصحية الخاصة بحزب مصر الحرية, الخطة التعليمية الخاصة بالحزب المصري الديمقراطي......إلخ)
- تكوين حكومة تكنوقراط تتولي تنفيذ هذه المهمة برئاسة شخصية مصرية مستقلة, لا تتعدي ال45 سنة, و أن تضم خبرات و كفاءات صغيرة السن
هذه الرؤية المتواضعة قد تقدم حلا سياسيا مرضيا و قد لا تكون كذلك, لكني أراها أفضل حالا و أقرب للتنفيذ من الحلول الأخري.
يبقي السؤال الأهم, أين تذهب التيارات اليمينية الحاكمة الأن فى هذا المشهد السياسي؟ هل ستتنازل عن الحكم هكذا ببساطة تجلس تشاهد المباراة من على الخط؟؟
بالطبع لا, أولا لأن الإقصاء السياسي هو فى المقام الأول سبب ما نحن فيه, ثانيا لأنه رغم تخبط هذا التيار و إغراقه للمركب إلا أن هذا لا يمنع كونه يمثل تيارا ما فى البلاد لا بد أن يمثل و أنه يمتلك أشخاصا ذوي كفاءات (و إن لم نر منهم إلا أقل القليل) لا يجب أن نحرم من مساهمتهم...... إن هذه التيارات يجب أن تمثل فى البرلمان من خلال انتخابات نيابية و محلية تبدأ فى ممارسة العمل السياسي فى النور, و لا شك أنها ستحصل على حصتها العادلة فى الإنتخابات بما يسمح لها بمراقبة الأداء الحكومي مع أقرانها من التيارات الأخري و لننقل ساحة الصراع الحزبي من الشارع للبرلمان. و لكن ذلك لن و لا يجب أن يحدث قبل خضوع التيارات المحافظة و جمعياتها السرية للرقابة العامة بما يتضمن ذلك من رقابة على مصادر التمويل و سبل الإنفاق
هذا هو جهدي فى الأمر. كتب فى 20 فبراير 2012