الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

الإدارة.... ورقة بحثية عن نموذج لإحدى الشركات المصرية

المقال هذه المرة مختلفة... قد تبدو متخصصة و لكنها في الحقيقة تهم غالب القراء فهم إما مخاطبون أو منتمون لمؤسسات مثل المؤسسة الممثلة في هذه المقالة. دة جزء من ورقة بحثية عملتها منذ 4 سنوات على نموذج لإحدى الشركات الحقيقية التي أخفيت بياناتها.... أرجو أن تستفيدوا منها

ملحوظة: الجزء المنقول للمقال خاص فقط بالمقدمة و التعاريف و توصيف المشكلة, الجزء الخاص بالحلول غير مدرج حيث أنه يخص المؤسسة موضوع البحث

"مقدمة:

تعد مسألة فاعلية أداء موظفي المؤسسة (أي مؤسسة) هي الشغل الشاغل (أو هكذا ينبغي أن تكون) للمدراء التنفيذيين للمؤسسة. و لتعريف الفاعلية ينبغي عمل مجموعة بسيطة من التعريفات الأخرى ذات الصلة.
** تتكون المؤسسة من مجموعة من الأفراد يعملون معا ,كل في مجال تخصصه لخدمة هدف موحد للمؤسسة يكون عادة مرتبطا بالربح (في حالات المؤسسات التي تهدف للربح).
** أفراد المؤسسة هم العاملون بها الذين يحصلون على كسب عيشهم من العمل بها كل أو جزء من الوقت و يؤدون أعمالهم بصورة تخدم هدف أو أهداف المؤسسة
** الفاعلية للمؤسسة هي حاصل قسمة المخرجات من العملية الإنتاجية (سواء كانت سلعا أو خدمات) على المخرجات القصوى التي يمكن التحصل عليها من نفس العملية عند ثبات المتغيرات الأخرى شريطة أن تكون مخرجات العملية تخدم هدف المؤسسة. فمثلا حين تكون فاعلية المؤسسة 40% فهذا يعنى أن المؤسسة تنتج فعليا 40% مما تستطيع نفس المؤسسة أن تنتجه في ظل نفس الظروف, بمعني أخر أن نسبة الفاعلية هي ما يبقى من نسبة الفاقد في العملية الإنتاجية, ففي المثل السابق تكون نسبة الإهدار في الإنتاج هي 60%!!
لا شك أن كل المؤسسات –شأنها شأن كل العمليات البشرية- تخلو من الفاعلية بنسبة 100 %, فكل ما يصنعه البشر مصيره النقص, إلا أن ذلك لا علاقة له بالسعي الدائم و الحثيث لتطوير الأداء و رفع الفاعلية و استهداف أهداف واقعية و قابلة للتحقيق و لكنها لا تزال تثير حماس و تحدي العاملين بالمؤسسة. و عندما تتمكن بعض المؤسسات من تحقيق فاعلية بنسب 80 و 90% بل و أكثر من ذلك, يصبح موقف المؤسسات التي تعمل عند حدود 20 و 30% مثيرا للحرج.

الحقيقة أن كل مؤسسة تحمل داخلها أسباب نجاحها و فشلها, و يتحمل فريق إداراتها دائما الجانب الأكبر من المسئولية في الحالتين, فهو (هذا الفريق) سبب النجاح و سبب الفشل, و إن كان ليس المسئول الأوحد إلا انه مسئول بدرجة كبيرة حيث ينطبق على هذه الحالة في ظني مبدأ 80-20
و هذا المبدأ هو مبدأ عام يقول بأن 80% من الأحداث (الأخطاء, المشاكل, الحوادث......سمها ما شئت) تحدث بسبب 20% من الأسباب. فمثلا, طبقا لهذه النظرية فإن 80 % من حوادث السيارات تحدث بسبب 20% من الأسباب (مثلا هذه ال20% من الممكن أن تكون سوء حالة الطرق و سلوكيات القيادة الرديئة)و فلو تمكنا من تحسين سلوكيات القيادة و القضاء على عشوائيتها و رفع مستوى الطرق سنقضى على 80% من الحوادث و هذا فقط على سبيل المثال. و من هنا فإن أداء فريق الإدارة (شريطة أن يكون كامل السلطات و الصلاحيات) هو المسئول الأول و الأكبر عن نجاح أو فشل أي مؤسسة.

ومثلما تزداد الأرباح بزيادة الإيراد أو بخفض المصروف, فإن الفاعلية تزداد بجانب من اثنين, إما بزيادة العملية الإنتاجية (من ساعات عمل و عمالة و استثمارات) و هو أسلوب غير مضمون خصوصا إذا لم يكن أسباب ضعف الفاعلية محددا و قد يؤدى إلى نتائج عكسية, وإما بتخفيض الفاقد, وهو الأسلوب الأكثر صعوبة و الذي يتطلب مجهودا و عملا وتعاونا أكثر (و في بعض الأحيان تضحيات) و لكنه صاحب النتائج الأنجع و الأفضل.
أسباب انخفاض الفاعلية:
الحقيقة أن أسباب انخفاض الفاعلية هي نفسها أسباب زيادة الفقد في العملية الإنتاجية و تتلخص فيما يلي:
  1. ضعف الكفاءات: الكفاءات في سوق العمل المحلى مع الآسف قليلة العدد نسبيا,  و الكفاءة ليست فقط القدرة على أداء العمل وإنما هي القدرة على أداء العمل بصورة جيدة و في زمن محدد و بالطريقة الصحيحة مع الاحتفاظ بسلوك طيب و مبادر تجاه العمل و العاملين, و لا شك أن هذا التعريف يرفع مستوي التعريف بالنسبة للكفاءة إلى مستوى جديد. و الحقيقة أيضا أنه من فضل الله فإن المؤسسات لا تحتاج أن يكون كل العاملين بها من الكفاءات و إنما تحتاج كل مؤسسة إلى عدد ما من هؤلاء في الأماكن الصحيحة ليكونوا قادة و أمثلة حية أمام زملائهم ليقتادوا بهم و يصبغوا فريق العمل بصبغتهم المرجوة.
  2. غياب روح الفريق: حتى و إن كان الفريق بالكامل من الكفاءات سالفة الذكر و لكن روح الفريق غائبة أو أن التنافس الداخلي يؤدى إلى التنافر بدلا من التعاون, فلا خير يرجي من هذه الكفاءات.
  3. غياب الانضباط: الحقيقة أن الانضباط هو الخيط الذي يربط كل العناصر الأخرى معا و هو الذي يضع اجتهاد العاملين في إطاره الصحيح و يشكل الفارق بين أداء الكفاءات في المؤسسة. و كلمة الانضباط لها سمعة مشوشة في مجتمعنا المصري حيث أنه يخلط بينها و بين التزيد و الشطط, بينما الانضباط جله  التزام العاملين بكل واجباتهم بما تقتضيه أمانة المهنة و كذا (و هو الجزء الذي ينساه البعض) التزام المؤسسة بكل واجباتها القانونية و المعنوية تجاه العاملين.
  4. غياب ثقافة الفصل: الحقيقة أن الثواب و العقاب جناحان لا غنى عنهما لأي مؤسسة تبغي النجاح, و لو أن الثواب بديهيا لدى أغلب المؤسسات, إلا أن العقاب لم يعد يأخذ نفس البديهية, ووجود ثقافة الفصل (و تعنى يقين المؤسسة و العامل بإمكانية الاستغناء عن أي عامل حال حدوث ما يستلزم ذلك) ضرورة لاتزان الأمور, إن المؤسسة التي يعتقد عاملوها أنهم لا يمكن فصلهم أو أن صاحب المؤسسة لا يضع موضوع الفصل موضع النظر إلا في الأحوال القصوى (الاختلاس مثلا) تميل إلى زيادة الفقد في فاعليتها فهي كما يقال بالإنجليزية (Taken for granted). فمثلا عندما يفشل رجال الحسابات في عمل ميزانية صحيحة, أو حين يفشل المهندسون في إدارة مشروع ما بصورة جيدة أو حين يفشل مدير ما في تحقيق أهداف المؤسسة عام بعد عام, يصبح غياب الفصل  هنا ظلما للمؤسسة و للعاملين الذين يؤدون عملهم بكفاءة و للعاملين غير المنتمين للمؤسسة الذين أضحوا أكثر جدارة بمكان الذين أخفقوا في أداء الأعمال الموكلة إليهم. لا يدخل ضمن ذلك الإخفاق نتيجة الظروف القاهرة (الظروف السياسية و الأمنية العنيفة, الظروف الشخصية القهرية....الخ). في النهاية, لا يجوز لأي مؤسسة أن يتواجد بها عنصر لا تحتاجه, أو لا يمكنها الاستفادة منه أو يمكنها الأداء بفاعلية من دونه لفترة كبيرة, فهذا يعد رسوب إداري واضح
  5. غياب ثقافة المكافأة: (قل هل يستوي الذين يعملون و الذين لا يعملون) سؤال قرآني استنكاري يلخص هدف النقاط 4 و 5. كما أن ثقافة الفصل ضرورة, فكذا ثقافة المكافأة, التي ينبغي أن تكون علنية (في مستحقيها و ليس في قيمتها). فهي ضرورة لا غنى عنها لرفع فاعلية المؤسسة.
  6. غياب الإستراتيجية و غموض الأهداف: إن أي مؤسسة في العالم لابد أن يكون لها هدف أو أكثر, و بما أن الأهداف تحققها الإدارة باستخدام العاملين فقد أصبح وصول رسالة الأهداف للطبقات الأساسية من المؤسسة ضرورة ملحة, و لا يكتفي فقط بالإدارة العليا في الإلمام بالأهداف (أو لنسمها الاستراتيجيات). يمكن أن تكون التكتيكات (أو وسائل تحقيق الأهداف) مستترة عن بعض أجزاء المؤسسة حرصا على النجاح و لكن إخفاء الإستراتيجية يعد هرولة سريعة إلى فشل المؤسسة.
  7. غياب القياسية و التدوين: تعد مشكلة غياب القياسات و التدوين مشكلة مزمنة و مشتركة في 90% من المؤسسات العربية عامة و المصرية خاصة. و في كثير من النسبة التي تلجأ للتدوين و القياس فإنها تفعل ذلك طلبا للشهادات المختلفة مثل الأيزو دون تطبيق حقيقي لهدف القياسية. و يعني بالقياسية (Standardization) وجود إجراءات مدونة و محددة و شاملة لكل حالات العمل الاعتيادية بهدف عمل حالة من السيولة في العمل و توحيد مستويات الأداء بين مختلف العاملين و كذا تقليل اعتماد المؤسسة على الأفراد و زيادة اعتمادهم على النظام العام. و عادة ما يلاقى التدوين و القياسية معارضة طبيعية من العاملين بالمؤسسات التي تحاول فرضه نتيجة لاعتبارات مختلفة غالبيتها خاطئ, حيث يعتقد البعض بتناقص أهميتهم للمؤسسة بوجود هذا العامل أو بعدم أهميته,بل يصل الأمر بالبعض إلا الإدعاء بضرر هذا الأمر على العمل و هو ادعاء عار تماما من الصحة. عموما, ينبغي فرض هذا الأمر دون خسارة تأييد العاملين له و يجب أن يتم ذلك في صورة تجعل منه صورة من إستراتيجية الشركة مع دعم كامل له من مجلس الإدارة. كما ينبغي الانتباه إلى أن هذا الأمر دائم و مستمر و ليس مرحلي, و عليه ينبغي مراجعة مدى قياسية الأداء و الإجراءات المسجلة كل فترة لا تزيد على العام للتأكد من بقاء الشركة في الدائرة المطلوبة

يمكن أن تحتوي المؤسسة ذات الفقد الكبير كل أو بعضا مما سبق, و يمكن أن تحتوي على مسببات مختلفة و لكن في الأغلب الأعم ستكون هذه الأسباب هي من ضمن الباقة الرئيسية, و نذكر ثانية بمبدأ 80-20, فلو نجحنا في حجب هذه الأسباب فإن رفع فاعلية المؤسسة يصبح أمرا ضمنيا.


إستراتيجية المؤسسات و دور الإدارة:
يعرف علم الإدارة المعاصرة دور الإدارة بأنه يتضمن 4 نقاط أساسية لا يمكن أن يؤديهم سواها:
  1. التخطيط: و يتضمن وضع الخطط طويلة و متوسطة الأجل و أحيانا قصيرة الأجل حسب حجم المؤسسة, و حجم المؤسسة هنا هام, ففى المؤسسات الكبيرة يترك أمر التكتيك (أو الخطط قصيرة الأجل) التى تستخدم في تنفيذ الإستراتيجيات (الخطط طويلة الأجل) للقيادات الوسيطة. عموما التخطيط لابد و أن يكون مرآة تعكس أهداف المؤسسة و من يبرز أهمية أن تكون الأهداف واضحة و تصل لكل طبقات المؤسسة و ذلك لأن كل خطط المؤسسة يجب أن تتضمن تداخلا من عناصر العمل و بالتالي تضمن الإحساس بالمسئولية المشتركة و من ثم النجاح.
  2. التنظيم: يعهد للإدارة بتنظيم المؤسسة بالصورة التي تتفق مع أهداف المؤسسة و قدرات كل عناصرها و استراتيجيات و تكتيكات الإدارة.
  3. القيادة: غالبا ما ينظر في بلادنا للإدارة العليا على أنها ذلك العمل المكتبي المريح المملوء بالكلام النظري الفارغ و هو ما ثبت صحته مع الآسف في بعض قطاعات الدولة إلا أن الحقيقة لا يمكن أن تكون أبعد من هذا . فالإدارة هي العمل على وضع القدوة و قيادة المؤسسة إلى تحقيق المستهدف, و لا يتحقق ذلك إلا إذا رأى العاملون بالمؤسسة في قياداتهم ما يلهمهم, و ذلك بالتزام و انضباط تلك القيادات قبل مطالبة العاملين بفعل نفس الشيء.
  4. التحكم: أو ما يمكن أن نطلق عليه المتابعة. فوضع أعظم الخطط مع استخدامك التنظيم الأمثل و القيادات الملهمة دون قدرة على المتابعة و ضبط إيقاع الأمور ليس إلا إضاعة للوقت و الجهد و المال. التحكم هو رشة الملح التي تضبط الطبخة أو تفسدها.  و لا ينبغي أن يتحول التحكم إلى قيام  الإدارة العليا بعمل عمل العاملين و لكن إلى التأكد من قيام هؤلاء العاملين بعملهم على أكمل وجه.

الحلول التفصيلية للحالة المتاحة:
شركة ------------- هي شركة مصرية, برأس مال مدفوع بالكامل يبلغ XXXXXX جم. تعمل في مجال المقاولات.

تعانى الشركة من ضعف عام في إيراداتها منذ عام 2010, مما أدي لتأكل أرباحها مع ارتفاع عام في مصروفاتها الإدارية و العمومية. كما تعانى من هبوط في معدلات الكفاءات في بعض القطاعات و عدد من المشاكل الأخرى. و ينتوى هذا البحث تطبيق المعايير السابقة على هذه الحالة و الخروج ببعض المقترحات للحل. تبدأ الدراسة بتسمية المشاكل الملاحظة بالمؤسسة
  1. تعاني المؤسسة موضع الدراسة من ضعف في مستوي الكفاءات مثل مؤسسات أخرى كثيرة, خاصة في المجالات الهندسية و المحاسبية.
  2. تعاني المؤسسة من غياب واضح لروح الفريق الواحد و الانضباط, حيث يوجد بعض العناصر التي ترفض الاندماج و التعاون مع بقية العاملين و هناك عناصر خجولة و أخرى بعيدة بسبب ظروف عملها. كما إن الالتزام بالمواعيد ضعيف للغاية و نقل المعرفة من الأكثر للخبرة للأقل خبرة يجري بصورة غير مرضية
  3. رغم حدوث ما يستوجب الفصل في بعض الأحيان إلا أن ذلك لم يتم ربما خوفا على سير العمل أو منحا لفرص ثانية للعاملين
  4. لا يتم الإعلان عن أي مكافآت تمنح إن كان هناك مكافآت.
  5. لا يوجد إدراك عام لإستراتيجية الشركة و انعكاس حدوثها على الفرد العامل.
  6. أكبر نقاط الضعف مع النقطة رقم 2, لا يوجد أي نوع من أنواع التدوين أو القياسية, يرجع الجزء الأكبر لتقصير الإدارة المسئولة و الجزء الثاني لضعف الكفاءات الهندسية أو عدم اهتمامها بهذا الدور و تركيزها على الدور التنفيذي التقليدي."