الأربعاء، 29 أبريل 2015

هوس التمارين


الزملاء من أعضاء نقابة مواليد السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي –تبدو كلمة القرن الماضي بائسة للتعبير عن سنة ميلادك و لكنها ربما أفضل حالا من كلمة الألفية الماضية- قد يذكرون أوقاتاً كان اللعب أمام المنزل بالدراجة أو مع الأصدقاء من الحي هو النشاط "الرياضي" المتاح. ليس عزوفاً عن الرياضة و لكنها كانت المعادلة المتاحة لتفريغ الطاقات و اللعب.
كانت الرياضة بمفهومها المنظم تمارس على نطاق ضيق, أذكر أن من زملائي في المرحلة الإبتدائية في مدرسة فيكتوريا كولدج بالإسكندرية لم يكن في فصلنا من هو منتظم في تمرينات إحدى الفرق سوى 2 أو 3 فقط.
ليس ذلك مدحاً في قلة الممارسة الرياضية, على العكس, فإنتظام النشء في نظام أو نشاط رياضي منظم أمرا بالغ الأهمية و مفيد في مجتمع يشجع الرياضة و لا يمارسها. إن إحتياجهم للإنشغال بشئ مفيد أمر هام. فمن لم ينشغل بالمفيد سينشغل بالضار... أو كما قال تيم روبنز على لسان شخصيته الأشهر أندي دوفرين في فيلم The Shawshank redemption  "Get busy living…. Or get busy dying".

---------------------
رغبت في أن يبدأ أولادي في الإنخراط في نشاط رياضي يشغل أوقاتهم و يبني شخصياتهم و أجسامهم و يخلق لهم روابط إجتماعية و إنسانية مع أقرانهم من نفس العمر, لازالت مؤمنا أن ذلك أمر هام, لذا حرصت على إلحاقهم بالتمرينات الرياضية بالنادي قبل 3 سنوات
أذهب إلى النادي فأرى مئات الأسر –حرفيا المئات, و هذا على مستوى ناد واحد في وقت حصة تدريبية واحدة- اصطحبت أبنائها إلى تمريناتهم في السباحة و الجمباز و الكاراتيه و غيرها, أرى إهتمام الأهل بتفاني أطفالهم في التمارين, أرى عشرات من المدربين يتابعون الأولاد و الفتيات بعيون مراقبة لتصحيح حركاتهم ووقفاتهم و ضرباتهم. ثم تتعمق في النظر مع مرور الشهور الطوال, و تبدأ في إدراك أن الصورة ليست هكذا دائما.....
----------------------------

تبدأ الأمر بهدف واضح, تربية رياضية و بدنية لأبناءك.... فيجرفك التيار, فتجد الأمهات اللائي يقضين مئات الساعات شهريا في التمارين قد أصابهن "هوس" ما.... فهذه تصرخ في إبنها كالمجنونة لأنه أنهى سباقه في المركز الثاني, و تلك تتصل بزوج إبنة خالة عمتها لتناشده التدخل لدى المدرب ليضم إبنتها للفريق و يتغاضى عن مستواها غير المؤهل, و هذه تجرجر إبنها ذا الأعوام الست جرا ليحضر حصته التدريبية الرابعة هذا الأسبوع لمدة 3 ساعات أخرى ليتحضر للتقييم الرياضي للنادي و هكذا.
تظنني أبالغ..... حسنا

ربما تقتنع حين تعلم أن هناك أمهات و أباء في تدريبات بأكثر من ناد مشهور و مرموق في مصر يعطون أطفالهم أبناء العاشرة "ريد بول" ليعطيهم جوانح قبل التمرينات..... لازالت غير قادر على التصديق؟ إذن ربما عليك أن تعلم أن هناك "أباء و أمهات"  قد أعطوا أبنائهم "ترامادول و فياجرا" ليعبثوا بالدورة الدموية لأبنائهم ذوي الإثني عشر ربيعا ليتمكنوا من تحقيق أرقام أفضل في سباقات السباحة تؤهلهم للإشتراك بالبطولات المحلية و الدولية.... يحدث هذا بعلم و "تواطؤ" مدربيهم و أبويهم!!! و الأغرب أنه لو حتى تأهل هؤلاء الصبية للإشتراك بالبطولات الدولية فسيتم إستبعادهم فورا في كشف المنشطات فما الهدف إذن؟!

أي جنون هذا!!!!! و لماذا تنحدر هذه الأسر لهذا المستوى الإجرامي؟

ربما هو الجهل الذي يجعل بعض الأهالي تظن أن أولادهم "بهيمة" تُعلًف ليتم ذبحها بحلول عيد الأضحى و عليه أن يفعل كل ذلك. هناك الغيرة بين بعض الأمهات من تفوق أطفال غير أطفالهن, هناك الوجاهة الإجتماعية في تفوق الطفل الرياضي الذي يصلح كمادة حديث شيق في جلسات الشاي الإجتماعية, كل هذا موجود و أكثر
لا أعفي المدربين و إدارات الأندية من المسؤولية, المدربون ذوو الرواتب الضعيفة أصبحوا مثل المدرسين الخصوصيين, يديرون "سبوبة" تدر عليهم ألاف من الجنيهات شهريا, بينما إدارات الأندية تبحث عن بطولات ربما بدون التدقيق في كيفية الحصول على تلك البطولات
ثم إن هناك سؤال... متى يلعب الطفل؟  طفل في العاشرة يمارس الرياضة المنظمة لمدة 12 إلى 20 ساعة أسبوعيا, عدا دراسته و نومه و مدرسته و أوقات الإنتقال الضائعة في الشوارع بين كل هذا, هذا عدا الساعات الإضافية في أوقات البطولات و التقييمات, هذا عدا البرايفت – و ما أدراك ما البرايفت-. طفل في السابعة يعمل عدد ساعات أسبوعيا يزيد عن عدد ساعات عمل وزير.... كل هذا و كثيرا ما ترى أمهاتهم و أبائهم يقرعونهم لأنهم لم يكونوا على المستوى المطلوب في هذا اليوم!!!
نعم... هناك أطفال متميزون رياضيا بفرصة حقيقية للتألق على المستويين الوطني و ربما الدولي, و لكن في أي مجتمع طبيعي هي نسبة صغيرة و ترتبط بوجود موهبة حقيقية و رغبة لدى الطفل أو المراهق في تقديم تضحية ما ليجني ثمار تضحياته. و الحقيقة لا يوجد نظام تعليم مصمم لهؤلاء ليتميزوا دون أن يتعثروا دراسيا, و هي معادلة "قد" يقبلها أهل هؤلاء المميزين و لا ينبغي أن يخضع لها غيرهم
----------------------------
عزيزي الأب, عزيزتي الأم..... لن يكون ولدك إيان ثورب آخر و لن تكون إبنتك ناديا كومانشي أخرى لمجرد أنكم ترغبون في ذلك.... الموضوع يتطلب ما هو أكثر... و لو ظللتم تضغطون على أبنائكم فلن يكونوا إيان أو ناديا و لن يكونوا ممتنين لكم في المستقبل... حنانيكم على الأطفال... إنهم أطفال
ليس هناك عيب في ممارسة الرياضة, و ليس هناك عيب في ممارسة "بعض" الضغط على الأطفال للوصول "بهم" لأقصى إمكانياتهم..... و لكن إفعلوا ذلك للأسباب الصحيحة و بالطرق الرشيدة