الأنظمة السياسية لا تسقط عادة بسبب خلافات أو صراعات سياسية يخوضها غالباً أولئك الذين يمتلكون رفاهية المعرفة. معرفة الرابط بين السياسة و الديمقراطية و الحريات و بين سائر شؤون الدولة التي تمس حياة الناس. و لكن تسقط الأنظمة حين تفشل في تقديم و توفير الحد الأدنى المقبول شعبياً من الاحتياجات الضرورية للحياة بمقاييس هذا المجتمع أو على الأقل تتمكن من عدم خسارة هذا الحد الأدنى الموروث من أنظمة سابقة.
و لا تتساوى الحدود الدنيا المقبولة شعبياً. فقد تقع ثورة في فرنسا مثلا لو قررت الحكومة هدم متحف اللوفر بينما قد لا يثير قرار حكومي بهدم الهرم الأكبر و تحويل أرضه إلى كومباوند سكني أو سوقاً لبيع الحمير إلا استهجانا يمكن امتصاصه بسهولة. و كذلك قد يثور الليبيون لما يتمنى فقط الشعب في كمبوديا الحصول عليه و هكذا.
الديمقراطية هامة بالطبع إلا أن أهميتها تنحصر في وجود وسيلة لتوصيل الغضب و الاحتجاج على الحكومة بديلة عن الثورة و العنف و ما وراءهما..... و لكن هذا يقع في الدول التي تعي إجمالاً أن الشعب هو المالك و الحاكم و مصدر السلطات حيث الشعب مكون من مواطنين و ليس رعايا
لم يسقط الإخوان -برأيي- بسبب الكهرباء و البنزين -رغم خطورة ما حدث في هذه القطاعات- و لكن أن تصورهم للحكم و تصرفهم فيه بدا لعامة الناس أنه لا يوفر الحد الأدنى من المقبول "ثقافياً" و دينيا و اجتماعياً من غالبيتهم على إختلاف مشاربهم. و ربما لو لم تحدث الأزمات الخدمية العنيفة لتمكنوا من الحكم لفترة أطول..... و لكنه الغباء
لا تسقط الأنظمة لأنها ديكتاتورية. تسقط لأنها غبية و تسقط سريعاً لأنها تستمرء و تستلذ الغباء
لا توجد ديمقراطية في الإمارات.... و لا يظن عاقل أن نظامهم على وشك السقوط. الصين ديكتاتورية الدولة هي النظام الذي استبدل الشيوعية القحة و لكنه يوفر لمليار و نصف نفس الحد الأدنى المقبول شعبياً لذا فالنظام مستمر. قد يكون النظام غير ديمقراطي أو ديكتاتوري حتى و لكنه يستمر لو كان كفئا.
نظام مبارك سقط لأنه غير كفء و كان ينبغي ان يسقط قبل عقد أو يزيد و لكنه سقط في موعده حين بينت تونس للشعب هنا أن ذلك ممكناً. الآن تجاوزنا الظن بإمكانية ذلك من عدمه و ظهر أثر ذلك على النظام الإخواني
نظام السيسي -تحت التأسيس- لا يبشر بخير حتى الآن. فهو -و للحق- يتميز بعدم الكفاءة و الغباء أو ما يمكن أن نطلق عليه "الغشومية" ... و رصيده المتولد من الهيستيريا و يوفوريا ما بعد الإخوان رصيد سريع التلف و هو لا يدخر جهدا في استنزافه بأسرع مما يستنزف المساعدات المالية الخليجية. كان تقديري أن السيسي سيحفظ لنظامه القدر الهام من التأييد الشعبي بتقديم خدمات جيدة لمدة 6 أشهر قبل أن ينكشف الوضع و لكن يبدو أن الوضع أسوأ من ذلك أو أن إنعدام الخيال و الكفاءة أكبر من ذلك. أو بتعبير صديقي المؤيد للسيسي "كنا فاكرين تحت القبة شيخ، و طلع تحت القبة مفيش". و لا يزال الرصيد الشعبي للنظام يعتمد أولا و أخيراً على الهستيرية الشعبية.
فشل نظام الحكم حتى هذه اللحظة في إنتاج رؤية سياسية أولا و اقتصادية ثانياً لمرحلة ما بعد الهيستيريا الشعبية التي لن تستمر طويلاً بعد. فماذا سيحدث غداً؟ سؤال لا أملك الإجابة عليه -و هذا طبيعي- و يبدو أن النظام الحالي أيضاً لا يملك إجابة له -و تلك كارثة-
فشل نظام الحكم حتى هذه اللحظة في إنتاج رؤية سياسية أولا و اقتصادية ثانياً لمرحلة ما بعد الهيستيريا الشعبية التي لن تستمر طويلاً بعد. فماذا سيحدث غداً؟ سؤال لا أملك الإجابة عليه -و هذا طبيعي- و يبدو أن النظام الحالي أيضاً لا يملك إجابة له -و تلك كارثة-
لم أنتخب السيسي و لم يكن لي أن أفعل و لكنني سأتضرر كثيراً لو سقط نظامه. فالمرحلة القادمة من اللعبة سنقابل الوحش.... النظام الحاكم القادم -لو سقط الحالي- سيكون على اليمين من كل ما سبق سواءاً كان يميناً دينياً بصبغة داعشية أو إخوانيا مسلحاً أو بصبغة عسكرية أشد وطأة مما نحن فيه -لا تستغرب.... هذا وارد و لو نظرياً-
الحل الأمثل أن يتعقل النظام السيساوي و أن يدرك أنه رغم أن له مؤيدين كثر إلا أن معارضته في ازدياد -و هذا طبيعي- و أن هذه المعارضة تزداد ليس من حيث الكم فقط و لكن من حيث الكيف أيضاً و هو ما يشكل خطورة.
هذا التعقل يبدأ بأن يظهر النظام كما أسلفنا الحدود الأدنى من الكفاءة في إدارة مرافق الدولة.... في ضبط المرور و رفع القمامة و تطبيق القانون. في أن تعمل الشرطة -و لو جزء من الوقت- عمل الشرطة في بلاد العالم من توفير الأمن و محاربة الجريمة. في أن تتخلص من "الحمقى" الذين يعملون في مرافقها و يصدرون التصريحات و القرارات التي لا تملك معها إلا أن تمتم بالآية الكريمة "و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة". لن أتحدث عن إصلاح التعليم و الصحة و المنظومة العدلية لا سمح الله فهذا أمر يتطلب كفاءة سياسية و إرادة غير متاحة. و لا انساق وراء ظنوني السيئة فأطالب بإصلاحات سياسية و حريات فهذه -أعاذهم الله- تتطلب ضميراً و عقلا راجحا.
الخلاصة: لكل من يستبعد سقوط النظام الحالي، اظنك على خطأ، النظام غير كفء و هو من الحمق بحيث أنه لا يرى حتى مقدار عجزه
لكل من يتمنى سقوط النظام الحالي، هذا لن يوصلنا إلى خير مما نحن فيه. الأجدى أن نصلح الموجود قدر الإمكان
لكل من يتمنى سقوط النظام الحالي، هذا لن يوصلنا إلى خير مما نحن فيه. الأجدى أن نصلح الموجود قدر الإمكان
هل سيستمع النظام الحالي لأصوات كهذه؟ لا أظن
لماذا إذن أكتب هذا؟؟؟
لماذا إذن أكتب هذا؟؟؟
معذرة إلى ربكم و لعلهم يتقون.....