السبت، 14 مارس 2015

بين المعارضة و التعريض

بوضوح، أحسب نفسي من معارضي نظام الحكم الحالي كما كنت لنظام الحكم السابق له و السابق لهما.... ليس عن شجاعة طاغية و لا حماقة غالبة بل عن افتقاد مزمن لما يجذبني لجانب النظام من سياسات عادلة و قرارت صائبة و إبداعات خارقة لبلادة جثمت على صدورنا عقوداً وراء عقود. أحسب نفسي خصماً شريفا لنظام أراه وطني و لكنه ديكتاتوري و متسلط و ظالم من وجه نظري لذا فشرف الخصومة يجعلني افرق بوضوح بين المعارضة -التي أراها حقاً أصيلا بل و واجبا تجاه الوطن - و بين التعريض ... التعريض بمصالح الوطن لخلاف سياسي أو مطمع مذهبي هو في واقع الأمر من أحقر ما يمكن أن يأتيه الإنسان من تصرفات. تماماً كما هو حقير أن يؤيد الإنسان باطلا فقط لإنه يأتي من بني جلدته العقائدية أو الفكرية.... ذلك التأييد القبلي البليد الذي ربما كان جديرا بعالم ما قبل إكتشاف النار أو بعد ذلك بقليل
هذا الظن يدفعني دفعا لأن أقر للرئيس عبد الفتاح السيسي بحسن تصرفه على عموم الأمر في شؤون مصر الخارجية منذ بدء رئاسته التي اصطلح منذ عقود على أن تكون اختصاص حصري للرئيس دون سبب مفهوم في واقع الأمر و بصورة تجعل وزير الخارجية خليط من المرسال و السكرتير. على كل حال لم يكن أداء الرئيس في هذا الشأن سيئاً بقدر أداءه و أداء غالب حكومته في الشأن الداخلي الذي كان أداء كارثيا في حده الأدنى
كانت زياراته الخارجية جيدة مثمرة في غالبيتها و كانت تصريحاته فيها على الإجمال طيبة. كما أن الصفقات الدفاعية التي عقدت -و لا تنسب له وحده و لكنه بالقطع طرف أصيل فيها - في ظل رئاسته تاريخية بأقل الأوصاف. فبين أخبار تتناثر عن منظومة دفاع جوي روسية هي الأكثر تطوراً لمقاتلات فرنسية هي الأبعد مدى لغواصات و فرقاطات بحرية و غيرها هو مما لا شك فيه يعد نجاحاً كبيراً في منطقة أصبح عدد الميليشيات المسلحة فيها على مرمى حجر من حدودك أكثر من عدد الدول العربية مجتمعة.
إلا أن ما حدث منذ قيام تنظيم الدولة الإسلامية بتحميل الفيديو الذي يظهر إعداما وحشيا ل21 مواطناً مصرياً قد بلغ بأداء الإدارة المصرية -و على رأسها الرئيس-  نسقا غير مسبوق
فمن خطاب واضح و قوي و لا يحمل معاني مختلفة و لا إشارات غير مفهومة بلغة رصينة تليق برئيس أكبر دولة عربية و ليس حديث المصاطب الذي مللناه و صار منفرا إلى قرارات محسوبة و تحركات متوازية على الأصعدة السياسية و الديبلوماسية و كذا على صعيد الموقف على الأرض من منع العبور إلى ليبيا -رغم وجود تصريح غريب لمدير أمن مطروح مساء الأربعاء بإصرار بعض المصريين على دخول الأراضي الليبية من منفذ السلوم!- و إنتهاء بضربات جوية مكثفة و مركزة على معاقل التنظيم بتنسيق معلوماتي كما ظهر مع القوات الليبية المحلية. كل هذا في خلال 12 ساعة فقط من إصدار الفيديو. هذا الأداء الممتاز في واقع الأمر كان حاسماً في خلق حالة ارتياح بين المواطنين و شعور بالرضا عن الأداء الحكومي في هذه الأزمة و هو أمر نادر بكلمة أسف.
المفاجأة كانت في ظهور البعض بمواقف مؤلمة في الحقيقة. ليس موقف من الرئيس و حكومته و إنما بدافع من موقفهم من الرئيس و حكومته، فاتخذوا موقفاً مضادا لما تقوم به القوات المسلحة المصرية من حماية للأمن القومي.
لا أحب استخدام مصطلحات الخيانة و العمالة فقد ابتذلت كثيراً،  و لكنني حين أجد جيشي يحارب و يقاتل عصابات اتخذت من الفراغ الإستراتيجي في الجارة الليبية منطلقاً لضرب مصر و مواطنيها دون تفرقة و دون ذنب أساساً فليس أقل من أدعم وطني -و ليس رئيسه- في هذه الحرب. هذا موقف غريب لا أفهمه حتى على الجانب السياسي
أعي أن الموقف الحالي و رد فعل الرئيس عليه قد دعم موقفه السياسي و الشعبي، و قد حدث هذا لأنه تصرف بصورة صحيحة. و لو كان الأمر غير ذلك لما ترددنا في كيل الإنتقادات له لو تقاعس عن أداء عمله. و لكن الرجل تصرف بما ينبغي عليه و لم يبقى -برأيي- لإستكمال امتياز موقفه إلا بإعلانه استراتيجية كاملة و واقعية لموقفه من تنظيم الدولة الإسلامية و الهدف الإستراتيجي من هذه الحرب. هذا ما أظنه دور المعارضة الصحيح الآن بتسليط الضوء على ما قد يكون ناقصاً و تقديم بدائل للشعب لو عجز الرئيس عن إعلان هذه الإستراتيجية في غضون أيام قليلة. هذا لاستكمال مشهد رائع مع تقديم الدعم المعنوي للقوات المحاربة "خارج أراضيها" في معركة احجمت عن خوضها قوى أكبر منا. أما الترويج لوقوع جرائم ضد الإنسانية -لم تقع من الأساس- و الدعاية لما تروجه قنوات بعينها لم يثبت صحته بل ثبت تزويره عن سوء نية فهو من التعريض بمصلحة الوطن و أهله و لعل هؤلاء يعودون لرشدهم. تماماً كما أنه من التعريض بمصلحة الوطن أيضاً أن ألقى الاتهامات على المصريين في ليبيا بأنهم ورطوا بلادهم في حرب غير مرغوب بها لمجرد أنهم لم يتركوا ليبيا!!.... هذا الاستنطاع من بعض الإعلاميين -لو جاز التعبير- و بعض الدببة التي توشك أن تقتل صاحبها ينسيهم أن من ذهب للبحث عن لقمة عيش وسط حرب أهلية قد يكون فضل احتمالات الموت على الحياة إسما في بلد لم تمنحه معطيات الحياة....  و على من يزايد عليهم أن يسرع بسيارته لزيارة قريتهم في المنيا..... عله ساعتها يصمت و يرحمنا من تعريضه هو الآخر

على هامش المؤتمر الإقتصادي

كمواطن مصري مهتم بالإقتصاد و متابع إلى حد ما لأخباره و تطوراته و كعضو صغير من أعضاء مجتمع الأعمال, تابعت بشغف وقائع و كلمات حضور المؤتمر الإقتصادي المصري..... و لي عدد من النقاط التي أود ذكرها.... سمها ملاحظات أو أفكار و لكنني رأيت أن التعبير عنها "قد" يكون مفيدا


  • المؤتمر على مستوى التنظيم كان جيدا للغاية, يكفي أننا تمكنا بصورة ما من بدء الجلسة الأساسية في موعدها تماما "الرابعة عصرا" و هو ما يعد إنجازا بالمقاييس و الأعراف المصرية التي ترى أن الوقت معينا لا ينضب أبدا.
  • تعليقات و آراء الإخوان على المؤتمر من السخافة و التفاهة بحيث لا ينبغي التوقف عندها من الأساس.... أصلح الله لهم نفوسهم.
  • كلمة الرئيس المصري في الإفتتاح جيدة و إن كانت طويلة بعض الشيء. هناك حقيقة أصبحت واضحة بشأن وجود علاقة طردية بين جودة خطاباته و إلتزامه بما هو مكتوب أمامه... كلما قرأ من الورقة كان ذلك أفضل جدا.
  • عدّد الرئيس المصري في كلمته عددا من المحاور من المفترض أن تشكل الرؤية الإقتصادية لحكومته, جل ما جاء بها جيد و لكن ما "أقلقني" هو إهتمامه بذكر نسبة عجز الموازنة كأولوية أولى. هذا الأمر مقلق لأنه في ظل هذا العدد الكبير من المشروعات المطروحة و التي تتطلب بداهة إنفاقا ضخما على البنى التحتية في خمس السنوات القادمة فإن اللجوء لميزانية منفتحة "loose budget" قد يصبح ضرورة و سوف يتطلب ذلك زيادة العجز في الموازنة و ليس تقليله في ضوء ثبات نسبي في الإيرادات المتوقعة و إرتفاع مطرد متوقع في المصروفات الإستثمارية. لم أفهم هذا التناقض و أرجو ممن يفهمه أن يشرحه لي.
  • إحتوت كلمة الرئيس المصري على 6 % كمعدل نمو مرجو في السنوات الخمس القادمة و معدل بطالة 10 %. و بالنظر إلى معدل النمو الحالي و هو بالكاد تحت 4 %، أجد أن رقم معدل النمو المذكور للعام المالي 2015 /2016 يبدو متفائلا بشدة و أرى أنه قد يكون من الأوقع استهداف ال6 % في العام المالي 2016 /2017  و لا أملك تعليقا على معدل البطالة الذي ذكره الرئيس المصري و لكنه لم يذكر مستهدف لعجز الموازنة و هو حاليا حوالي 10 % و لا للتضخم الذي سجل أرقاما مؤلمة للمواطن المصري في خلال أربع سنوات مضت. الإقتصاد هو ببساطة أرقام و جداول بيانية، و ذكر هذه الأرقام أو تحديدها منذ البداية مسألة بالغة الأهمية. أرجو إن كان قد فاتني ذكره لهذه الأرقام أن يقر أحد الأرقام المستهدفة في المدي القصير و المتوسط.
  • على العكس من البعض, أجد نفسي مهتما للغاية بكلمة الرئيس السوداني. السودان برأيي المتواضع هي أهم جيران مصر قاطبة على مستوى الأمن الغذائي و المائي. هل هناك من يفكر و يخطط لإستغلال السودان كسلة غذاء لمصر؟ لا أعرف.
  • مستقبل مصر الإقتصادي مرتبط بصورة كبيرة بأفريقيا. لا أعتقد أننا قد فعلنا سابقا أو لاحقا ما يكفي على صعيد الإستثمار "الجاد" لرأس المال النقدي و البشري و الثقافي لمصر في أفريقيا و لكن ذلك الأمر قد أضحى مملا من كثرة تكراره. وجودهم في المؤتمر على مستوى الرؤساء فرصة أرجو أن نكون قد استخدمناها.
  • المؤتمر نجح بلا شك كحدث "event", أما نجاحه كتجمع إقتصادي حقيقي فرهن بأمرين برأيي, نجاحنا في توفير البيئة المناسبة لتنفيذ ناجح و سليم للمشروعات المعلنة من الناحية الواقعية و القانونية التشريعية و المحافظة على زخم الحركة الناتج من المؤتمر و هو ما يشكل في رأيي عنصر النجاح الأساسي حتى الآن. قياسا على ذلك ما شاهدناه من حوار الرئيس المصري بحضور نائب رئيس دولة الإمارات و حاكم دبي مع رئيس الشركة التي ستقوم بتنفيذ مشروع العاصمة الجديدة لم يكن موفقا بظني، سأل الرئيس المصري عن زمن التنفيذ و أجاب الرجل "عشر سنوات" و استهجن الرئيس المصري المدة و قال أن عشر سنوات غير مقبولة و سبع سنوات غير مقبولة معبرا "إحنا هنا ما بنعملش الشغل كدة". لا أعرف الحقيقة ما هو التقدير الفني و الهندسي الذي بنى عليه الرئيس رفضه، و أرجو ألا يتكرر تدخله "السياسي" في الشأن "الفني" كما حدث في واقعة حفر التفريعة الجديدة بقناة السويس و الأفضل أن يكتفي بتذليل العقبات أمام المشروعات الجادة دون أن يبدي رأيه في الشأن الذي لا يتخصص فيه... لهذا التدخل سلبياته أكثر من إيجابياته .... إن كان له إيجابيات.
  • أي نجاح مفترض لمخرجات هذا المؤتمر مرتبطة إرتباطا شرطيا و مباشرا بخلق بيئة عمل شفافة و نزيهة و كفئة. هذا هو التحدي الحقيقي لمصر التي تحتضن واحدا من أكثر الأجهزة البيروقراطية المعوقة "بفتح الواو و كسرها" في المجرة. الدولة في مصر ليست عبد الفتاح السيسي و لم تكن عدلي منصور أو محمد مرسي أو حتى حسني مبارك... الدولة في مصر هي مدام عفاف اللي في شباك 8 اللي معاها الختم و ملهاش مزاج النهاردة عشان الأفندي بتاعها متجوز عليها... الدولة في مصر هي الأستاذ عرفة اللي راح الحمام من الساعة 9 و لسة مرجعش مع إن العصر أذن...... الدولة في مصر هي الموظف الذي يتفنن في جعلك تلعن اليوم اللي اتولدت فيه عشان بتحاول تقدم على عداد كهرباء أو تجدد رخصة قيادة.
  • لم أتيقن بعد من موقف القوات المسلحة بفروعها "الهيئة الهندسية و و إدارة المشرعات الكبرى و جهاز الخدمة الوطنية.... إلخ" من هذه المشروعات, بمعنى ما هي الكيفية التي ستتداخل فيها؟ هل ستظل القوات المسلحة كما كانت في الشهور الطويلة الماضية منافسا للقطاع الخاص؟ هل ستكتفي بدور المشرف و المنظم؟ هل سترفع يدها كلية و تترك السوق يتفاعل تفاعلا صحيا؟ لم أرى إجابة على ذلك فيما تابعت من فعاليات المؤتمر و قد يكون لدى غيري إجابة.
  • في أعقاب ثورة يناير, بدا أن الحكومات المتعاقبة متعلقة بشدة بقرض من صندوق النقد البنك الدوليين بقيمة 4.8 مليار دولار. لم تكن أبدا الفكرة في قيمة القرض التي تعجز عن الوفاء بإحتياجات البلاد من السولار وحده لمدة عام, و لكن كانت الفكرة دائما هي في ختم البنك و صندوق النقد المطمئن على حال الإقتصاد المصري الذي يستتبعه بالضرورة إقبال المستثمرين الأجانب على الإستثمار في مصر. هذا الأمر الآن يبدو أنه قد أصبح من الماضي, فمصر نجحت بلا شك بهذا المؤتمر فيما كانت تريده من وراء القرض.
ختاما.... إستضافة المؤتمر نجحت..... تسويق الإستثمار في مصر و الحصول على صك الثقة في إقتصاد أكبر أسواق الشرق الأوسط نجح.......... السهل قد مر و الأصعب قادم و نحن نقدر عليه............. هل نحن قادرون على فعل ما هو ضروري لإنجاح ما بدأناه؟

أعتقد..... أرجو