بوضوح، أحسب نفسي من معارضي نظام الحكم الحالي كما كنت لنظام الحكم السابق له و السابق لهما.... ليس عن شجاعة طاغية و لا حماقة غالبة بل عن افتقاد مزمن لما يجذبني لجانب النظام من سياسات عادلة و قرارت صائبة و إبداعات خارقة لبلادة جثمت على صدورنا عقوداً وراء عقود. أحسب نفسي خصماً شريفا لنظام أراه وطني و لكنه ديكتاتوري و متسلط و ظالم من وجه نظري لذا فشرف الخصومة يجعلني افرق بوضوح بين المعارضة -التي أراها حقاً أصيلا بل و واجبا تجاه الوطن - و بين التعريض ... التعريض بمصالح الوطن لخلاف سياسي أو مطمع مذهبي هو في واقع الأمر من أحقر ما يمكن أن يأتيه الإنسان من تصرفات. تماماً كما هو حقير أن يؤيد الإنسان باطلا فقط لإنه يأتي من بني جلدته العقائدية أو الفكرية.... ذلك التأييد القبلي البليد الذي ربما كان جديرا بعالم ما قبل إكتشاف النار أو بعد ذلك بقليل
هذا الظن يدفعني دفعا لأن أقر للرئيس عبد الفتاح السيسي بحسن تصرفه على عموم الأمر في شؤون مصر الخارجية منذ بدء رئاسته التي اصطلح منذ عقود على أن تكون اختصاص حصري للرئيس دون سبب مفهوم في واقع الأمر و بصورة تجعل وزير الخارجية خليط من المرسال و السكرتير. على كل حال لم يكن أداء الرئيس في هذا الشأن سيئاً بقدر أداءه و أداء غالب حكومته في الشأن الداخلي الذي كان أداء كارثيا في حده الأدنى
كانت زياراته الخارجية جيدة مثمرة في غالبيتها و كانت تصريحاته فيها على الإجمال طيبة. كما أن الصفقات الدفاعية التي عقدت -و لا تنسب له وحده و لكنه بالقطع طرف أصيل فيها - في ظل رئاسته تاريخية بأقل الأوصاف. فبين أخبار تتناثر عن منظومة دفاع جوي روسية هي الأكثر تطوراً لمقاتلات فرنسية هي الأبعد مدى لغواصات و فرقاطات بحرية و غيرها هو مما لا شك فيه يعد نجاحاً كبيراً في منطقة أصبح عدد الميليشيات المسلحة فيها على مرمى حجر من حدودك أكثر من عدد الدول العربية مجتمعة.
إلا أن ما حدث منذ قيام تنظيم الدولة الإسلامية بتحميل الفيديو الذي يظهر إعداما وحشيا ل21 مواطناً مصرياً قد بلغ بأداء الإدارة المصرية -و على رأسها الرئيس- نسقا غير مسبوق
فمن خطاب واضح و قوي و لا يحمل معاني مختلفة و لا إشارات غير مفهومة بلغة رصينة تليق برئيس أكبر دولة عربية و ليس حديث المصاطب الذي مللناه و صار منفرا إلى قرارات محسوبة و تحركات متوازية على الأصعدة السياسية و الديبلوماسية و كذا على صعيد الموقف على الأرض من منع العبور إلى ليبيا -رغم وجود تصريح غريب لمدير أمن مطروح مساء الأربعاء بإصرار بعض المصريين على دخول الأراضي الليبية من منفذ السلوم!- و إنتهاء بضربات جوية مكثفة و مركزة على معاقل التنظيم بتنسيق معلوماتي كما ظهر مع القوات الليبية المحلية. كل هذا في خلال 12 ساعة فقط من إصدار الفيديو. هذا الأداء الممتاز في واقع الأمر كان حاسماً في خلق حالة ارتياح بين المواطنين و شعور بالرضا عن الأداء الحكومي في هذه الأزمة و هو أمر نادر بكلمة أسف.
المفاجأة كانت في ظهور البعض بمواقف مؤلمة في الحقيقة. ليس موقف من الرئيس و حكومته و إنما بدافع من موقفهم من الرئيس و حكومته، فاتخذوا موقفاً مضادا لما تقوم به القوات المسلحة المصرية من حماية للأمن القومي.
لا أحب استخدام مصطلحات الخيانة و العمالة فقد ابتذلت كثيراً، و لكنني حين أجد جيشي يحارب و يقاتل عصابات اتخذت من الفراغ الإستراتيجي في الجارة الليبية منطلقاً لضرب مصر و مواطنيها دون تفرقة و دون ذنب أساساً فليس أقل من أدعم وطني -و ليس رئيسه- في هذه الحرب. هذا موقف غريب لا أفهمه حتى على الجانب السياسي
أعي أن الموقف الحالي و رد فعل الرئيس عليه قد دعم موقفه السياسي و الشعبي، و قد حدث هذا لأنه تصرف بصورة صحيحة. و لو كان الأمر غير ذلك لما ترددنا في كيل الإنتقادات له لو تقاعس عن أداء عمله. و لكن الرجل تصرف بما ينبغي عليه و لم يبقى -برأيي- لإستكمال امتياز موقفه إلا بإعلانه استراتيجية كاملة و واقعية لموقفه من تنظيم الدولة الإسلامية و الهدف الإستراتيجي من هذه الحرب. هذا ما أظنه دور المعارضة الصحيح الآن بتسليط الضوء على ما قد يكون ناقصاً و تقديم بدائل للشعب لو عجز الرئيس عن إعلان هذه الإستراتيجية في غضون أيام قليلة. هذا لاستكمال مشهد رائع مع تقديم الدعم المعنوي للقوات المحاربة "خارج أراضيها" في معركة احجمت عن خوضها قوى أكبر منا. أما الترويج لوقوع جرائم ضد الإنسانية -لم تقع من الأساس- و الدعاية لما تروجه قنوات بعينها لم يثبت صحته بل ثبت تزويره عن سوء نية فهو من التعريض بمصلحة الوطن و أهله و لعل هؤلاء يعودون لرشدهم. تماماً كما أنه من التعريض بمصلحة الوطن أيضاً أن ألقى الاتهامات على المصريين في ليبيا بأنهم ورطوا بلادهم في حرب غير مرغوب بها لمجرد أنهم لم يتركوا ليبيا!!.... هذا الاستنطاع من بعض الإعلاميين -لو جاز التعبير- و بعض الدببة التي توشك أن تقتل صاحبها ينسيهم أن من ذهب للبحث عن لقمة عيش وسط حرب أهلية قد يكون فضل احتمالات الموت على الحياة إسما في بلد لم تمنحه معطيات الحياة.... و على من يزايد عليهم أن يسرع بسيارته لزيارة قريتهم في المنيا..... عله ساعتها يصمت و يرحمنا من تعريضه هو الآخر