الأربعاء، 30 يوليو 2014

أجازة؟!!! يعني إيه أجازة؟!!!!!

كل عام و أنتم بخير......

تأتي إجازة عيد الفطر هذا العام, كما في كل عام غالبا, لنشاهد فصلا ممتعا من مسخرة الإجازة الحكومية و الخاصة التي ننفرد بعظمتها بين الأمم.... فمصر هي البلد التي تجد فيها موظفا حكوميا يحصل على إجازة من رئيس الوزراء لا يحصل نظيره في القطاع الخاص سوى على نصفها.... هكذا.... بدون إبداء أسباب.... و يبدو أن الحكومة التي عجزت عن تدبير وسائل جديدة لزيادة دخول موظفيها قد قررت إنها تعطيهم ببقية فلوسهم إجازات!!

الحقيقة و بعيدا عن المزاح فإن موضوع الإجازات الوطنية - أي الإجازات التي تتعطل فيها قطاعات كبيرة من القوى العاملة في البلاد- في مصر هو من دروب المسخرة المستمرة..... تذكر هكذا كيف أن الإجازة في مصر عادة يتم إقرارها و إعلانها قبل الإجازة بيوم أو بعدة ساعات, حتي تلك التي تخضع للروزنامة "الأجندة" الجريجورية و ليس التقويم العربي القمري

حقيقة لا أفهم سر أن ينتظر الناس مثلا قرار من رئيس الوزراء مساء الثلاثاء 30 أبريل لتعرف إن كان الخميس 2 مايو سوف يعطي إجازة مع الأربعاء 1 مايو فيما يعرف اصطلاحا بإسم البريدج -الكوبري لا مؤاخذة- أو أن نجد أن الحكومة السنية تمنح العاملين بالدولة -المميزين لغير سبب مفهوم لدي- إجازة أول و ثاني أيام عيد الفطر تزداد إلى أول و ثاني و ثالث لتنتهي عند أول و ثاني و ثالث و رابع أيام العيد قبل أن تعود قطاعات بعينها بصورة جزئية لإستدعاء عامليها باتصالات تليفونية فيما يشبه الشحاتة "حدث بالفعل في بعض شركان قطاع البترول" للعمل ثالث أيام العيد!

أقدر تماما الصعوبات الجمة التي تواجهها الموازنة العامة للدولة من تنامي عجزها الكبير و من انهيار قطاعات الصحة و التعليم و الأمن و خلافه,,,, و لكن لا أفهم كيف لا تستطيع الحكومة ضبط موضوع بسيط -هو بسيط الحقيقة, فكرت كثيرا في كيفية تعقيده و لكنه بسيط- كموضوع الإجازات القومية!

هو أصلا ليه الموضوع دة مهم و مؤثر من وجهة نظري؟

مصر لديها واحدة من أكبر عدد أيام الإجازات السنوية في العالم مع الصين و هونج كونج و الهند و ماليزيا حسب تصنيف و تقييم اليويومونيتور إنترناشيونال الصادر في عام 2008. العدد لا يقل عن 14 يوما و يصل إلى 16 يوما. يضم تقويم الإجازات المصرية أعيادا وطنية "23 يوليو و 6 أكتوبر و 25 أبريل" و دينية "عيدا الفطر و الأضحي و عيد الميلاد للشرقيين و رأس السنة الهجرية" و دولية "رأس السنة الميلادية و عيد العمال" و أعياد تاريخية "شم النسيم".

الإجازات شأن لو تعلمون عظيم. مثلا, بعد تفجيري بالي الأول و الثاني في 2002 و 2005 تهددت صناعة السياحة الإندونيسية بشدة جراء تراجع معدل الليالي السياحية و إنهيارها, مما حدا بالحكومة الماليزية إلى إتباع أسلوب ال long weekends لتعويض غياب السائح الخارجي بالسائح الداخلي, مما ساهم نسبيا في مساندة صناعة السياحة إبان فترة الإضطرابات. فالحكومة استخدمت الإجازات كأداة "مثل الضرائب كأداة للتعامل مع عجز الموازنة مثلا" لتحفيز قطاع هام من السياحة

كما أن مصر بلد للأسف شديد المركزية, كل أو جل فرص العمل تتركز في مدينة أو اثنتين, مما يجعل معدلات الهجرة الداخلية مرتفعة بشدة, فتجد أن قسما ضخما من العاملين بالقطاعات المختلفة في القاهرة مثلا من خارجها بدءا بالمهندسين و أساتذة الجامعة و المدراء التنفيذيين وصولا لعمال التراحيل.... فتجد القاهرة في أيام مثل هذه خاوية على عروشها بينما تجد صحراء الساحل الشمالي عمارا خضارا و كذلك كل المصايف الشعبية الرخيصة "إذا كان لسة في مصايف رخيصة أساسا"

من جانب آخر, فإن إجازات اليوم الواحد في ظل إيقاع الحياة التربو الآن و المسافات الضخمة التي نقطعها يوميا في طريقنا و أسفارنا فضلا عن معاناة التنقل أصلا بين ربوع المحروسة الأكثر تطورا و الأكثر تخلفا هي من قبيل الضحك على الذقون. فلا العامل حاز إجازة تعيد شحن بطارياته و لا السوق استفاد من الإجازة..... نعم ... السوق يستفيد من الإجازة

على مختلف مستويات البشر المادية و الإجتماعية, على الموسع قدره و على المقتر قدره, ينفق المواطن في الإجازة إنفاقا كبيرا و مكثفا. الإجازة تنعش الأسواق و تحرك الراكد. سأضرب لك مثلا ...... نشرت جريدة اليوم السابع تقريرا طريفا يوم 28 يوليو 2014 عن حجم تجارة الحشيش في مصر قدرته بحوالي 22.8 مليار جنيه سنويا "بإفتراض أن نصف الشعب المقيم بمصر و سنه فوق 10 سنوات يشرب الحشيش بإنتظام" فإن متوسط الإنفاق على الحشيش سيكون في حدود 700 جنيه سنويا و هو أقل من نصيب الفرد في موازنة التعليم ب250 جنيها فقط .... لا حاجة للقول بالطبع أن معظم هذه الكميات تستهلك خلال الأعياد و الإجازات. بصرف النظر عن فجاجة المثال, ما أقوله هو أن الإنفاق في خلال الإجازات ينعش الأسواق....

طب, ما هو المطلوب؟

بصراحة شديدة, هناك أيام إجازات في مصر لا تهم قطاعا عريضا منها.... فما هي أهمية إجازة 25 أبريل؟ أو رأس السنة الميلادية, أو حتي الهجرية؟ فلتحتفل بها الدولة كما تشاء و لكن لما تعطل المصالح و الجهات؟ هل أحتاج أنا لأخذ إجازة لأحتفل مع أطفالي مثلا بعيد تحرير سيناء؟ هل يجب أن أتوقف عن العمل لأتأمل مع أسرتي العبر و الدروس من ذكرى هجرة الرسول؟ و لماذا لا نأخد ذكرى غزوتي بدر و أحد على ما فيهما من عبر و ذكريات إجازات أيضا؟! هل الأفضل أن تعلن الحكومة أن هذه الأيام أيام عمل مثلا و تصبح إجازة عيد الفطر من يوم 29 رمضان حتي يوم 4 شوال و عيد الأضحي من يوم 9 ذي الحجة حتي يوم 14 ذي الحجة بصرف النظر عن أي من أيام الأسبوع وافق هذه التواريخ؟ هل من الممكن أن نعطي الأسر القادرة على تخطيط إجازاتها منذ بداية العام؟ و للمصرين العاملين في الخارج؟ هل من الممكن أن نفعل هذا و نظل على مستوي 14-16 يوم إجازة سنوية مع عمل تنشيط للحركة و الأسواق بدلا من إجازة ال48 ساعة التي تضيع في السفر و الذهاب و العودة في طرق بائسة؟ هل يستحق هذا الأمر مجرد التفكير؟

بالمناسبة, إجازة الكريسماس في أجزاء من أوروبا و الولايات المتحدة "الدول الصناعية الكبرى" تبدأ من 24 ديسمبر و حتي 3 يناير بواقع 11 يوما. إيطاليا و أسبانيا و أيضا أجزاء من فرنسا تغلق معظم الأعمال خلال أسبوعين إلى 3 من أغسطس لتذهب العائلات لقضاء إجازة

يمكننا الإستغناء عن نصف الإجازات التي نحصل عليها و نعيد إلحاقها بإجازات لها معنى أكبر و أهم و أكثر فائدة لنا
لا تعطوا الناس إجازات أكثر.... فقط رشدوها و إجعلوها قابلة للإستخدام و سوف تؤتي ثمارها وحدها و لا تعطوا إجازات كثوب القماش المهلل...