لن أتحدث عن كيف نطق لسان وزير "العدل" محفوظ صابر بما هو ليس عدل.... بل سأتحدث
عن عن كيف تكلم الرجل عن المسكوت عنه بالتراضي و التواطؤ..... عن المنظومة و ما لها
و ما عليها
القضاء ليس جهازا عاديا من أجهزة الدولة...
فهو يتفرد بخصائص عدة ... فهو سلطة غير منتخبة. فلم يختار الشعب رئيس المحكمة
الدستورية أو رئيس محكمة النقض و لا حتى ممثل الدعوى العمومية, النائب العام. غير
أنها سلطة واسعة التأثير ربما بأكثر من السلطة الأشهر: التنفيذية... كما أنه في
تقديري و على الأقل حتى وقت قريب للغاية..... هو السلطة التى تحظى بإحترام و محبة
تلمس فيهما صدق ما... و أخيرا هي السلطة الأكثر عمرا نظريا, فالقاضي يظل في منصبه
حتى السبعين من عمره.
و لأنه غير عادي, و لأنه على ما هو عليه فحق
علينا ووجب له أن نقف له بالمرصاد إذا ما "نسي" دوره.....
مبدئيا, أنا أتحدث في شأن القضاء و لست قاضيا
و لم أدرس حتى في كلية الحقوق, و أنا لا أناقشه كشأن فني, بل كشأن عام, صلاحه و
خرابه يؤثر على حياتي و على إستقرار البلد ككل, فهو ليس شأن خاص بالقضاة, بل هو
شأن خاص بالجميع بما فيهم أبناء عامة الشعب الذين إستنكفهم السيد المستقيل
و لننتقل لصلب القضية مباشرة, هل ما قاله
الوزير المستقيل هو "زلة لسان" حقا؟ بالطبع لا
لا أعتقد أن كثير من القضاة يختلفون مع
الوزير السابق.... قد يختلفون مع سيادته في ملائمة التعبير عن هذا الرأي, خصوصا أن
القضاة لا ينبغي لهم أن يعبروا عن آرائهم دون تحسب لما لمناصبهم من حساسية, و
لكنهم لن يختلفوا عنه كثيرا في ذلك, و ها هو السيد رئيس محكمة إستئناف القاهرة
السابق في جريدة الشروق "الرزينة" يؤيد السيد الوزير المستقيل و يقول أن
"العرق دساس"!!
هذا الكلام كاشف في الحقيقة.....
لماذا نحتاج لإصلاح منظومة القضاء؟
عدل السماء سنحصل عليه حين نقابل وجه كريم...
و حتى يحدث ذلك, فلا يوجد لدينا سوى عدل الأرض
عدل عبثت به كل الأنظمة... منذ مذبحة قضاء
عبد الناصر مرورا بإنتدابات سيئة السمعة و إنتهاءا بإختراقات أمنية و سياسية للجسم
القضائي لا ينكرها إلا ضرير.....
منظومة القضاء سيئة.... لا أتكلم عن الأحكام
و تنفيذها فتلك نقطة لاحقة, بل منذ البداية... كيف يتم إعداد القضاة؟ كيف يصبح
الشخص في مصر قاضيا؟؟ هذا صلب ما قاله الوزير السابق
طلبة كلية الحقوق يعلمون أن ليست كل الكليات
مثل بعضها.... بعض الكليات أصعب من غيرها حتى تجد أن أوائل الدفعة فيها قد تحصلوا
على تقدير جيد جدا بصعوبة بالغة, بينما في كليات أخرى تجد 5 و ربما أكثر يحوزون
تقدير إمتياز و هو شأن غير مفهوم في كلية نظرية
يتخرج طالب الحقوق من "ولاد الناس
الكويسين" عارفا مآله..... يتقدم للتعيين في النيابة العامة و يتعين... و قد
تغدر به الأيام فيجد نفسه في النيابة الإدارية مع بنات المستشارين... أو قد تسوء
به الحال أكثر و يصبح من محامي الحكومة بهيئة قضايا الدولة و التي لسبب ما غامض
فشل في فهمه الكثير تحمل صفة الهيئة القضائية!
ماذا عن زميله إبن الرجل البسيط؟ هل له فرصة
حقيقية في ذلك؟ هل التعليم و السلوك القويم تذكرة كافية للترقي الإجتماعي و
الوظيفي؟
إجابة السيد الوزير و نفر من صحابته هي لا...
ليس مهم من أنت و لا ماذا صنعت... المهم من أبوك...
تبا لها من إجابة و تبا لذلك من رأي!!
طيب و ماذا بعد التعيين في النيابة؟ هل 4
سنوات من الدراسة في الكلية كافية لإعداد "قاضي"؟
إن الشاب الذي تخرج لتوه من الكلية يجد نفسه
معاونا للنيابة أو مندوبا مساعدا بكل ما تحمله تلك الوظيفة من هيبة دون أن نعده
لذلك أبدا.... كان هناك مشروع قد تم تقديمه من قبل وزير عادل أسبق في شأن تأسيس
أكاديمية للعدالة تقبل خريجي الحقوق و تقوم بعمل تأهيل و إعداد نفسي و فني لهم
ليعملوا بالسلك القضائي, و تقدير هذه الأكاديمية هو ما يؤخذ به في تقييم هؤلاء و
تعيينهم..... قد يكون ذلك حلا ضروريا الآن.... قد تسهم أكاديمية العدالة في رفع
مستوى القضاة الفني و النفسي و قد تسهم في كف يد "الزحف المقدس" كما
سماه أحدهم قبل عامين.
هل سيغير هذا من واقع ما نطق به الوزير
السابق؟ هل سيتوقف كهنوت القضاء؟
ربما ليس بصورة آنية و لكن صار لزاما العمل
على إيقاف هذا الأمر بأسرع وقت ممكن.... هناك هيبة للقضاء ينبغي العمل على الحفاظ
عليها لأنها مع شخصية القاضي و ثقة العامة و المتخاصمين في حكمه جزء من حجية الحكم
بظني, و لكن ما أتحدث عنه هنا هو كهنوت القضاء, ذلك "الجيتو" الذي خلقه
القضاة – أو الكثير منهم توخيا للدقة- لأنفسهم.... حماية لإمتيازات تافهة ربما, أو
حماية لمنظومة العدالة لدى البعض منهم ربما.... تعددت الأسباب و النتيجة واحدة.
ليس هذا هو الجيتو الوحيد.... فأبناء القاضي في القضاء, و أبناء لواء الشرطة ضباط ... و أبناء المشير
ضباط جيش .... الجيتو في كل مكان في المنصة و الشرطة و الجيش و الخارجية و البنك و
الجامعة و وزارةالكهرباء و البترول و و و
و .... مصر أصبحت أرخبيل من الجزر المنعزلة!!
الكثير لديه قناعة محفوظ صابر.... ليس فقط في
القضاء.... و لكنهم أقل منه صراحة أو أكثر منه حصافة أو أقل منه إهتماما بما
يعتقده الناس..... الكل محفوظ صابر و الجيتو يضيق عليهم أكثر و أكثر....
إصلاح القضاء أصبح أهم من أن يترك أمره
للقضاة فقط..... و لكن كيف ذلك و مصر بلا سلطة تشريعية منذ 3 سنوات؟!!!
هذه مصيبة أخرى و حديث آخر