الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

التنافسية الدولية كمان و كمان

نشرت فى هذا المكان قبل 5 أسابيع مقالا عن تقرير التنافسية الدولية الخاص بالعام 2012/2013 و حاولت أن أشرح فيه شرحا مبسطا غير مخل لماهية التقرير و آلية عمله و أهمية النظر إليه فى إطار أن العالم الذي أصبح قرية صغيرة قبل عقدين قد أصبح حارة أصغر من ذي قبل... بمعني أن من يعيش فى ظلال هذا الوطن قد أصبح يري و يسمع و يكاد يشم طبيعة و ظروف حياة المواطن الأسترالي فى ملبورن و الصومالي فى مقديشيو و السويسري فى برن.... و عليه فإن استخدام مفردات التقييم لهذا التقرير كأداة لمحاسبة السلطة و - الأهم- كدليل للسلطة لوضع إستراتيجية عمل - أظن أنها غير موجودة بالأساس- و خط محدد لما نريد أن نكون عليه فى المستقبل

بالبلدي كدة و بعيدا عن ألفاظ الإقتصاد..... هذا التقرير يمثل عناصر التفوق الإجمالية للمجتمع من كافة العناصر و ليس فقط عنصر الغني أو الميزانيات الحكومية....... ببساطة أكبر هو يمثل العناصر التي تجعل من الدول المتفوقة فيها إجمالا دولا "أفضل" للمواطن بل و الغريب الذي يعيش على أراضيها

هذا التقرير يصدر بالفعل من المنتدي الإقتصادي العالمي و يضم دولا عديدة, و قد صدر منذ أيام التقرير الخاص بالعام 2013/2014 و ضم بيانات 148 دولة بزيادة 4 دول عن العام الماضي و أفتتح كالعادة بكلمة السيد "كلاوس شاوب" الرئيس التنفيذي للمنتدي الذي يصدر التقرير

و لقد لفت نظري فى كلمته "و أنا أقرأ بخلفية أني مصري و بالأحداث الجارية الآن فى مصر" أنه قد وجه كلمة "لصانعي القرار و السياسات" فى العالم قال فيها "يتعين على صناع القرار تجنب الرضا عن النفس والمضي قدما في الإصلاحات الهيكلية والاستثمارات الحاسمة اللازمة لضمان أن يمكن بلدانهم توفير بيئة مزدهرة وفرص العمل لمواطنيها"..................

كي لا أكرر نفسي أرجو الرجوع للمقال الأول "مصر و التنافسية الدولية" لتوضيح ماهية القواعد التي يتم التقييم على أساسها و الوزن النسبي لكل قاعدة أو عامل فيها.

كان مفاجأة كبيرة لي إنتقال مصر من المجموعة الثانية إلى المجموعة الثالثة من التقسيم ... يقسم التقرير الدول إلى 3 مجموعات أساسية من حيث دوافع التنمية و مراحلها يتخللهم مجموعتين تضمان الدول التي فى طور الإنتقال من المرحلة السابقة إلى اللاحقة... فمثلا تقع دولا مثل هايتي و غانا و الهند فى المجموعة الأولي و التي تتحرك فى التنمية بدافع ضرورة التنمية و عدم وجود بدائل... المجموعة الثانية تتضمن دولا مثل السعودية و الجابون و إيران و هي دولا تنتقل من التنمية بدافع الضرورة إلى التنمية بدافع الكفاءة (و هي المجموعة التي كانت تنتمي لها مصر العام الماضي قبل أن ترتقي إلى المجموعة الثالثة!!!!) 
تضم المجموعة الثالثة دولا مثل مصر و معها البوسنة و الصين و تونس و أوكرانيا

المجموعة الرابعة بها دولا تنتقل من النمو بدافع الكفاءة إلى النمو بدافع الإبداع مثل البرازيل و الأرجنتين و عمان و روسيا

أخر مجموعة بها قطر و البحرين و إسرائيل و الإمارات و أسبانيا و اليونان.....

ما معني ذلك؟؟

أن المسألة ليست مرتبطة بغني الدولة فقط (أنظر إلى السعودية) و لا الوضع السياسي فقط (مصر و تونس) و لا المنطقة الجغرافية (إسرائيل مثلا و مصر)

تقرير التنافسية مهم.... ليس من باب المعايرة و جلد الذات... و إنما من باب أن المنافسة تخرج الطاقات و الرغبة فى النجاح.... سنركز هنا على أرقام دولا محددة بعينها للمقارنة مع دولة الموضوع, مصر. و هذه الدول هي اليونان و أسبانيا و إسرائيل و تونس و قطر و إيران

و إختيار هذه الدول تحديدا له مغزي سياسي و إقتصادي واضح

ملاحظات سريعة :

  • سويسرا تحتل المركز الأول لخمس سنوات متصلة و سنغافورة الثانية للعام الثالث و فنلندا الثالثة (لاحظ لا يوجد قوي عسكرية غاشمة فى المراكز الأولي... فنلندا تسن قانونا ليصبح لكل مواطن حقاعلى الدولة بدءا من 2015 فى توفير سرعة إنترنت مقدارها 100 ميجا/ث .... لاحظ أننا نجادل فى طلب إلغاء إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية)
  • لم تدخل دولة جديدة فى ترتيب العشر الأوائل و بقيت الدول الثلاث الأولي كما هي من العام الماضي بنفس الترتيب (سويسرا - سنغافورة - فنلندا)
  • لا يبدو لي أن هناك قفزات ضخمة و إن كان هناك تحركات إيجابية فى مجموعة المقدمة لدول مثل النرويج و نيوزيلندا مقارنة بالعام الماضي, و قفزة جيدة لأندونيسيا من ال50 إلى ال38. ربما كان التراجع الأبرز من نصيب الأرجنتين من ال94 إلى ال 104 و مصر من ال107 إلى ال118 خلف دولا من طراز سيشل و جواتيمالا و بنجلاديش و نيبال!
  • إسرائيل تراجعت مركزا واحدا لل27, قطر تراجعت مركزين لل13, تركيا تراجعت مركزا لل44, اليونان تقدمت 5 مراكز لل91, إيران تراجعت كثيرا جدا (16 مركزا لتصبح ال82) و أخيرا أسبانيا تقدمت مركزا واحدا لل35. تونس لم تكن مدرجة العام الماضي و هي الآن في ال83. تشاد فى المركز الأخير
  • دول المقدمة كلها تتمتع بشفافية كبيرة جدا فى المؤسسات العامة و بمؤسسات خاصة لها "أخلاقيات عمل واضحة و محترمة و ملتزم بها" و نظام تعليم متفوق على حد تعبير التقرير
  • كل بلد عليها تعليق مختصر... أنقل الآتي مما جاء بشأن إسرائيل "تبقي نقطة القوة الأساسية لديها هو قدرات الإبداع الهائلة التي تمتلكها, و التي ترتكن على الأعمال ذات الطبيعة الإبداعية المنتشرة بها و التي تستفيد من وجود عدد من أفضل المعاهد البحثية بها و التي تعني بإحتياجات مجتمع الأعمال"
  • فى التعليق المختصر عن مصر, قال التقرير أن النقاط الثلاثة الأكثر إلحاحا فى مصر هي العجز الحكومي المتزايد, زيادة الدين المحلي المطردة و نسب التضخم الكبيرة.
  • نأتي للأرقام, مصر حققت زيادة "طبقا للتقرير" فى الدخل ليصبح 256.7 بليون دولار و لترفع دخل الفرد إلى 3112 دولار. أهم المشاكل التي تواجهنا فى إطار الأعمال هي الإضطراب السياسي و إنتشار الجريمة و الفساد و غياب التمويل و عدم كفاية الأيدي العاملة المهرة.
  • بالنسبة للأعمدة الإثني عشر للتقييم, فمصر أفضل درجاتها و نقاط قوتها (نسبيا بالنسبة لنقاط الضعف) فى إلتزام الشركات العاملة بالأخلاقيات, توافر خطوط طيران سهلة و ميسرة, غياب كبير للأمراض المعدية, حجم سوق محلي كبير و قاعدة تصديرية جيدة و أخيرا عدد أيام مقبول لتأسيس شركة
  • على الجانب الأخر, نقاط الضعف الأسوأ هى إهدار الإنفاق الحكومي, ضعف المنافسة المحلية, ضعف الرواتب, ضعف نسبة توفر المرأة فى سوق العمل مقارنة بالرجل, و أخيرا حصلت مصر على أقل درجات فى الدول الموجودة بالتقرير كلها فيما يخص تكاليف تتحملها الأعمال بسبب الإرهاب, جودة التعليم الأساسي, و جودة نظام التعليم الجامعي و مدارس الإدارة.
  • إيران أكثر من ضعف متوسط الدخل لدينا, آمنة من ناحية الجريمة بعكسنا و لديها معاناة أقل فيما يخص الفساد. لديها جودة تعليم أساسي و جامعي ضعف ما لدينا
  • اليونان (المفلسة) لديها متوسط دخل للفرد يساوي 7 أضعف متوسط مصر (نعم, سبع أضعاف) و أكبر مشاكل الأعمال بها توفر مصادر التمويل و غياب البيروقراطية الحكومية و الأنظمة الضريبية المعقدة (لاحظ مكان اليونان جغرافيا بالنسبة لنا و قدرتنا على توفير ما تفتقد إليه الأعمال الوافدة إليهم!!). مستوي التعليم لديهم قريب من الأرقام الإيرانية.
  • إسرائيل لديها متوسط دخل يساوي أكثر بقليل جدا من عشرة أضعاف متوسط دخلنا, ببساطة عدد سكان إسرائيل 9% من عدد سكان مصر (أقل من عدد سكان الإسكندرية و المنصورة مجتمعين) و دخلهم القومي يساوي 95% من دخل مصر! مشاكلهم تشبه مشاكل اليونان بالضبط مع فارق الحجم.مستوي تعليما أفضل قليلا من سابقتيها
  • أسبانيا (على وشك الإفلاس) بدخل متوسط 9 أمثال المصري و مشكلات مشابهة لليونان و إسرائيل و مستوي تعليمي أساسي قريب من إيران و إسرائيل و مستوي جامعي أفضل منهما بكثير (و لا داعي لمقارنته بمصر منعا للإحراج)
  • تركيا, بدخل متوسط أكثر من مصر ب 3 أضعاف و مشاكل مماثلة لليونان و غيرها و زاد عليها فقط عدم سهولة توفر الأيدي العاملة المهرة. مستواها التعليمي سيئ و إن كان لا يزال بالطبع أفضل منا بكثير.
  • أخيرا.... تونس. متوسط دخل أكثر منا بحوالي 40% , نفس مشاكلنا الأساسية تحديدا و تفوق علينا فى النظام التعليمي بما يقارب أرقام إيران و يفوق بعض مؤشرات إسرائيل و اليونان

هل وصلت إليك رسالة ما؟ هل شعرت أن المسألة بسيطة أم معقدة؟ هل أدركت ما أكبر مشكلة لدينا؟ هل المشكلة فى مصر و المؤامرات الواقعة عليها و تحالف قوي الشر أم أن المشكلة فى المصريين؟؟

لدينا الداء و لدينا الدواء.... و نختار الداء..... فى كل مرة.....



أتشرف بمتابعتكم لي علي تويتر على @ahmadsamysallam

لينك للتقرير الأصلي: http://www3.weforum.org/docs/WEF_GlobalCompetitivenessReport_2013-14.pdf
لينك للمقال الأول: http://agendamondasa.blogspot.com/2013/07/blog-post_30.html