لا أحب الحديث عن البديهيات. يشعرني ذلك بالملل .... و لكن بما أن مصر الآن تمر بمرحلة ال menopause كبلد فعقمت عن العقول و الأفكار أو كرهتها كراهية التحريم يبقى كل من ينطلق من فكرة ما يراها بديهية بالنسبة له ربما عليه أن يوضحها.
رغم وجودي بالقرب من مكان الأحداث نسبياً -و ليس فيها - إلا أنني لم أرى شيئا و لكنني تابعت الموقف من قنوات اتصال عديدة منذ الساعة السادسة والنصف تقريباً من مساء هذه الليلة السوداء حتى الساعة. كما قرأت شهادات كثيرة ممن حضروا الواقعة من الشباب و كبار السن و تكون لدي التصور الآتي
أولاً: توجه عدد كبير من الجماهير -ترددت أرقام بين 5000 على الأقل و 10000 على الأكثر في الروايات المتواترة - لحضور المباراة و منهم كثير من حملة التذاكر و من غير حملة التذاكر. كان هناك انطباع عام بأنهم سيتمكنوا من الدخول بسبب سوابق واضحة تم فيها السماح بالدخول "للجميع" مثل مباريات منتخب مصر و مباراة الأهلي في الكونفدرالية و بسبب إعلان ما تردد نقلاً عن إدارة النادي بذلك -لا أعلم مدى صحة هذا الإعلان أو البوست-
ثانياً: كل الروايات المختلفة ممن تواجد من مشجعين و حتى من رواية أحد الضباط التي سمعتها بنفسي صباح اليوم تم تجهيز ما يمكن أن نسميه "قفص" و هو عبارة عن ممر طويل من الحديد و محوط بسلك شائك ليعمل كقناة تسمح بمرور فرد واحد في اتجاه البوابة. هدفه كما فهمت التحكم في دخول الأفراد فقط من حاملي التذاكر. توجد مثل هذه الممرات في دول العالم لكنها لا تكون من الحديد لتجنب ما حدث بالضبط.
ثالثاً: كل الروايات أجمعت على أن هناك شمروخ واحد تم اشعاله في مقدمة الجموع. تضاربت الأقوال حول إشعاله في البداية كاستفزاز أو بعد و أثناء إطلاق الغاز كنوع من " التلويش" بالمتاح ..
رابعاً: كل الروايات بالأخص روايات من كانوا في مؤخرة الجموع و بادروا بالهرب أجمعت أن الشرطة طاردت المشجعين خارج المكان "في الصحرا بحد تعبيرهم" و إستمرت في إطلاق الغاز. روايات عدد من قادة السيارات المارة في طريق الNA اختنقت من كثافة الغاز دعمت هذا القول. علماً بأن الواقعة الأساسية كانت داخل سور المجمع و لكن خارج الاستاد. إذن الشرطة لم تكتفي بالتفريق و لكنها طاردت المشجعين خارج المكان
خامساً: تم استيقاف أتوبيس اللاعبين بل و صعد بعض المشجعين داخل الأتوبيس في الشارع و أصيب بعضهم بإختناق من الغاز بحسب تصريحات المدرب
سادساً: هناك أكثر من رواية عن شهود عيان قالوا أن بعضاً من عساكر الأمن المركزي قد جردوا بعضاً من القتلى من متعلقاتهم "هواتف محمولة و محافظ". لا أملك تكذيب أو تصديق ذلك و لكن هناك عدد من الجثث كان مجهولا و لم يتم التعرف عليهم في مشرحة زينهم -حتى لحظة كتابة هذه السطور طبقاً لموقع في الجول- في وقت يحمل الكل فيه هاتفا محمولا حتى لو لم يصل لسن استخراج الرقم القومي بعد
ما سبق هو ما ارتاح شخصياً لكونه حدث من تجميع روايات متعددة دون الأخذ في الإعتبار روايات الآحاد و هم كثر
هذا موقفي بوضوح
تبادل الاتهامات و إلقاء اللوم ما بين اتحاد الكرة و إدارة الزمالك و مرتضاه المنكور هو ملهاة في قلب مأساة.... موقف الجهتين أكثر من مقزز و لا يمكن بوصفه إلا بأنها قوادة رخيصة. الطرفان لا يعنيهما إلا استمرار "النحتاية" البائسة المسماة بالدوري و لا يعنيهما من مات و لا من سيموت و لو ذهب الكل إلى الجحيم
مرتضى منصور و مدحت شلبي و أحمد موسى و بقية الأشكال الوسخة دي هي من بقايا قانون البغاء الذي ألغي عام 1929 و هؤلاء من أبناءه من ضمن آخرين. لا خير في بلد هؤلاء فيه خارج السجون أو مستشفى المجاذيب
الشرطة قتلت هؤلاء المشجعين. هكذا قولاً واحدا ببساطة و وضوح و بدم بارد. إن إطلاق الغاز -حتى لو لم يتم إطلاق خرطوش- على آلاف داخل نفق أو قفص حديدي- هو قتل عمدي و لن ينتج إلا هذه النتيجة و هو ليس قتل خطأ في هذه الحالة و هي ليست اول حالة أيضا -راجع قضية سيارة ترحيلات أبي زعبل- و يبدو أنها ممارسة شرطية معتادة. بالمناسبة، إطلاق قنبلة الغاز من مكان قريب و بطريقة أفقية تقتل أيضا. بداهة انا لا أصدق الشرطة أو الحكومة عامة.... ليس من سوء الظن لا سمح الله و لكن من سوء التجربة
لن ألوم القتيل الصغير الأعزل. لن ألوم من مات لمجرد أن البعض يراه "قليل الأدب" من وجهة نظره.... قليل الأدب لا تربيه الشرطة.... الحقيقة أن الشرطة لا تربي أحدا
ليست "اشتباكات"..... الاشتباكات تكون بين طرفين لديهما ما يشتبكا به و ليس طرف مات منه 22 "على أقل تقدير" و طرف لم يصب منه أحد
ليس كل ما حدث مدهشا بالنسبة لي. بل سيتكرر..... بصورة أو بأخرى سيتكرر.... ليس المدهش تكراره و لكن المدهش تلك النطاعة العظيمة التي حلت محل المرحومة منظومة الأخلاقيات المصرية فلم يبقى من كل أخلاقنا حلوها و مرها إلا مخزون هائل من النطاعة و الاستنطاع و استمراء الإهانة و أطنان من الماسوشية.
لا أملك تثوير الناس و لا أرغب في ذلك و قد صرت مقتنعاً أن الثورة طريق لا يناسب آلياتنا. فقط أرجو من الله أن يهدينا سبل الرشاد و يقينا شر أنفسنا و ييسر لنا سبل الخروج بأولادنا و أهلينا من هذا البلد قبل أن نموت قتلى في مباراة كرة أو مسرح أو عبارة أو قنبلة أو حادث سيارة أو حتى طابور عيش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق