الثلاثاء، 16 فبراير 2016

الدولار و سنينه

منذ نشأة الفصل الأخير من أزمة الدولار و تقريبا كل الناس بتتكلم في القضية دي, الكلام المكتوب هنا هو محاولة مبسطة لشرح فكرة الدولار و أزمته و ما يرتبط به من مفاهيم أخرى علها تفيد الناس اللي بتحاول تتابع الموضوع دة بقدر من التركيز... و بسبب كدة هتلاقي المقالة مكتوبة بالعامية قدر الإمكان
بداية كدة, خلونا من باب التبسيط نتخيل الدولار دة كسلعة.. زي الطماطم مثلا أو البطيخ... سلعة لديها قدر معين من الوفر "أو الندرة" في الأسواق... كمان خلينا نتخيل إنه زي المحول "Adaptor" اللي موجود في بيوت معظمنا و بنستخدمه أحيانا مع اللابتوب أو المكنسة الكهربائية أو خلافه عشان نقدر ندخل الفيشة بتاعة الأجهزة دي في الكبس اللي موجود في الحيطة


كل دولة من الدول بتقوم بإنتاج مجموعة مختلفة من السلع و/أو الخدمات بهدف الإستهلاك أو الحاجة... مصر مثلا بتنتج و بتصنع منتجات نهائية "مواسير, رادياتيرات, حلل, موبيليا... إلخ" و بتزرع منتجات "بطاطس, بصل, خضراوات, فاكهة,,, إلخ" و مستخرجات من الأرض زي البترول مثلا و خدمات "سياحة, قناة السويس... إلخ" و هي أشياء تستفيد منها لكنها غير ملموسة و بتدفع أموال للحصول عليها... و مثل مصر مثل كل الدول التانية في العالم غنية كانت أو فقيرة, متقدمة أو متخلفة

نظرا لإن موضوع المقايضة مش منطقى على كل السلع و الخدمات, قرر العالم إختراع شيء يكون وسيط بين كل الناس يتم استخدامه كوسيلة لتبادل السلع دي بينهم و بين بعضهم... كلمة سر لما أديهالك أخد منك كيلو برتقال و لتر بنزين و قصة شعر و أدفع أجرة الدكتور...



كل دولة بقت بتقوم بطبع ورقة ما و تسميها إسم ما و تبقى دي الوسيط بين الناس في التعامل و هذه الورقة هي ما أُصطلح على تسميته بالعملة.. مصر بقى عندها الجنيه المصري و أمريكا الدولار و فرنسا الفرنك و المانيا المارك "قبل ظهور اليورو" و هكذا ...

يجي السؤال المنطقي... ما قيمة هذه العملة؟ يعني إيه اللي يخلي كيلو الطماطم بجنيه أو بدولار أو بفرنك أو بأكثر أو بأقل؟؟ في البداية كانت العملة مصكوكة من معدن نفيس له قيمة في ذاته -الدهب أو الفضة مثلا- فكانت العملة تستقي قيمتها من هذا المعدن, ثم أصبحت تستقيها لاحقا من قيمة غطاء الذهب "و هو تعبير عن مقدار الذهب الذي تمتلكه كل دولة بيد بنكها المركزي أو ببنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي" و كلما كان غطاء الذهب الذي تمتلكه الدولة أكثر كلما كانت قيمة العملة ذاتها أكبر و العكس صحيح و بالتالي تتحرك قيمة السلع و الخدمات بالنسبة للعملة. لأسباب ما, بعد الحرب العالمية الثانية, تم التخلي عن غطاء الذهب كمقياس للعملة و أصبحنا في عالم أكثر إنتاجية و إستهلاكية نحتاج لمقياس جديد للعملة... و كان هذا المقياس هو الإنتاج

يعني ببساطة, قيمة عملة الدولة تٌقاس بمقدار السلع و الخدمات اللي بتنتجها كل دولة, فكلما زادت السلع و الخدمات تقدر الدولة من خلال بنكها المركزي و مطبعتها طباعة أموال أكثر.. و من هنا ظهرت أهمية فكرة مبدأ إستقلال البنك المركزي عن الحكومة

الحقيقة أنه طالما أن الدولة تقوم بمعاملاتها التجارية بالكامل داخل حدود الدولة, فلا توجد مشكلة ضخمة, يعني لو إننا نزرع ما نأكل و نلبس ما نغزل و نقحت ما نردم و الكلام دة فمفيش مشكلة فعلية, لإننا كلنا بنتعامل بعملة واحدة و هي الجنيه... أما نظرا لإن الواقع مش كدة و لإن كل الدول بتحتاج لمنتجات أو خدمات دول أخرى, فظهرت الحاجة لوجود ال "Adaptor" اللي قلنا عليه من شوية... دون الدخول في تفاصيل, المحول الموجود حاليا هو عدد معين من العملات على رأسها و أهمها على الإطلاق هو الدولار... تزيد أهمية الدولار مع زيادة العولمة و تحول العالم إلى حارة صغيرة. بالتالي, كل دولة تحتاج لشراء شيء ما من دولة أخرى تحتاج إلى هذا المحول... بالطبع في قيمة نسبية بين عملة كل دولة و بين الدولار.. كلما كانت الدولة لديها منتجات و سلع و خدمات عليها طلب أكثر يكون في إحتياج أكثر لها من الدول الأخرى يكون في دولار أكثر متجه إلى هذه الدولة و العكس صحيح... و بالتالي, كلما كانت هناك دولة بيتجه الدولار لها أكثر كلما كان هناك دولار متوفر لديها أكثر... و بالعكس كلما كان هناك دولة إحتياجها من الخارج للسلع و الخدمات أكبر, كلما كان إتجاه الدولار منها أكبر للخارج

لاحظ هنا إن مفيش دولة تقريبا لا تحتاج شيء من خارجها و مفيش دولة تقريبا ليس لديها ما تقدمه للأخرين... خدها قاعدة... بالتالي, هناك دائما دولار خارج و دولار داخل و العبرة بالمحصلة النهائية

طيب, دولة زي مصر تقريبا تستورد كل شيء مهم... بطبيعة الحال اتجاه الدولار خارجها قوي... و فيها طلب قوي "يعني سوق كبير و له إحتياجات من مأكل و ملبس و خامات و خلافه" فبالتالي الكل داخلها يطلب دولار ليأتي بإحتياجاته, فلما يكون الدولار متوفر و النسبة الداخلة منه إليها قريبة أو أكبر من الخارجة بقليل يكون سعر العملة بتاعتها مستقر... فكر هنا بقى في الدولار زي الطماطم... كل الناس محتاجة طماطم... كل الناس بتشتري طماطم... فالي عنده طماطم و طرحها للعرض و الطلب بيطرحها مقابل كمية أكبر من الجنيه و بالتالي يصبح الجنيه المدفوع مقابل الطماطم "الدولار" يزيد

مصر -للأسف- تحولت في عقود أربع مرت إلى مقدم للخدمات... الخدمات سلعة لطيفة جدا في ظل الإستقرار و الجو الجميل و الظروف المتعاونة... سياحة, قناة سويس, خدمات إتصالات... إلخ... الخدمات تتميز بربحية عالية و قيمة مضافة متوسطة -برأيي- و عوائد على رأس المال سريعة نسبيا, بالتالي تضاءلت أمام الخدمات فرص الإستثمار في الزراعة و الصناعة و السلع الملموسة, خصوصا مع تخلي الدولة عن الدفع في هذا الإتجاه و خصوصا مع خوض الدولة لتجربة في رأيي انتهت بالفشل مع المشروع الناصري فيما يخص التصنيع بفتحة الصدر... للتوضيح... لو في عشر أشخاص مع كل منهم مليون جنيه و أمام كل منهم مشروعين يختار منهم واحد يعمله, القهوة أو كافيه "مثال للخدمات" و الثاني ورشة تصنيع بلاستيك مثلا "مثال للتصنيع السلعي"... كام واحد منهم هيروح لدة و كام هيروح لدة؟؟

أهو دة اللي حصل في مصر.. خصوصا مع الصعوبات التي "وُضعت" في طريق الخيار الثاني...

الخدمات لا تحب القلق, لا تتعامل جيدا مع المتغيرات العميقة, لا تفضل الرؤى الغائمة... بالتالي فقدت مصر بعضا من دخل السياحة على مدار السنوات السابقة "و هي الصناعة الخدمية الأهم في مصر" و بما أن السياح يفضلون غالبا ألا يُقتلوا أثناء سياحتهم "الطائرة الروسية و السياح المكسيكيين و الطالب الإيطالي جوليو" تراجعت السياحة لمستوى الصفر تقريبا "اللهم إلا سياحة الإنتحار تقريبا" دة كله جاء مع نمو واضح في السياسة العامة و المجتمع فيما يمكن أن نسميه العداء للأجانب أو الشك فيهم على أقل تقدير... كل دة ذبح السياحة بسكين بارد... زد على كدة إن قناة السويس -بتفريعتها و سلطاتها و باباغنوجها- ليست أكثر من خرطة من تورتة التجارة العالمية, فلما إنخفضت التجارة العالمية منذ 2015 -الحقيقة دة مكنش مفاجأة إطلاقا و كان متوقعا و بشدة منذ عامين على الأقل, بس الغرض مرض- إنخفض حجم الخرطة بتاعتنا من القناة... زد على ذلك إحجام المصريين في الخارج عن تحويل أموالهم لأسباب تتعلق بممارسات مصرفية إنغلاقية

خلاصة الكلام... الدولار بقى مش بيدخل و بقى بيطلع بس... بالتالي مع ثبات الطلب على السلع من الخارج "أي على الدولار كوسيط للسداد" أصبح الجنيه مهزق كما نرى الآن

ما هو الحل؟؟

هناك 3 حلول لا يوجد غيرهم ما لم يخترع طالب حقوق منوفي ماكينة لتحويل المفتئة لدولارات

الأول: عودة السياحة و الإستثمار الأجنبي المباشر "فلوس تيجي من برة تدفع مباشرة هنا في مشروعات" وضخ المصريين بالخارج دولارات داخل البلد.. و دة حل يبدو مستبعد جدا في ظل السياسة الأمنية الخرقاء و النظام المصرفي المنغلق تماما حاليا و حالة العداء للإنفتاح على الخارج دي و نظرة عدم الإستقرا المستقبلي للأوضاع في مصر و غياب أصلا رؤية إقتصادية للسياسة العامة للدولة

الثاني: تطور مطرد في التجارة الدولية و دورة رواج إقتصادي تنعش الخدمات الجغرافية الطبيعية لمصر... و دة غالبا مش هيكون في 2016 على الأقل لأسباب تقريبا كلها مش في إيدينا

الثالث: القروض و المنح.. و دي على فرض إننا حصلنا عليها, فهيكون في شروط كثيرة أولها و أهمها رفع الدعم "يعني متصرفش من موازنتك العاجزة و من فلوسي أنا كمُقرض على الحفاظ على سلعة أقل من سعرها الحقيقي زي العيش أو المية أو المحروقات أو خلافه" و ثانيها تعويم الجنيه "بمعنى ترك الدولار لقيمته الحقيقية أمام الجنيه و دي مش ممكن تحديدها بدقة لكن يمكن التكهن بها بين 9 و 10 جنيهات و نصف"

طيب... لو كل دة محصلش.. هنفلس؟
إجمالا, مفيش حاجة إسمها حكومة تفلس بسهولة... في النهاية و رغم الإستقلالية المفترضة في البنك المركزي "طابع النقد" لكن في النهاية, هتطبع فلوس و تدخل في دوامة تضخم و غلاء... بس مش هتفلس... أول كل شهر هتلاقي المرتب في البنك فلوس سخنة و مقمرة بس قيمتها الشرائية ورق كلينيكس... بس مش هتقدر تدفع ديونك اللي بالدولار لإنه مش موجود... بالتالي هتتوقف عن السداد و الإستيراد.. و دة بالنسبة لمصر في وضعها الحالي... حكم يالسجن المؤبد إن لم يكن أكثر

يعني مفيش أمل؟؟

في أمل و في رجاء و في سناء... بس من خلال الثلاث حلول المذكورة فوق... الحكومة هتعمل إيه؟ مش عارف.. و غالبا هي كمان مش عارفة... و ربنا يسهل

ملحوظة أخيرة: الوضع الحالي للدولار و أزمته ليست الأولى في تاريخ مصر,, بل للدقة هي الأزمة الرابعة أو الخامسة بنفس الصورة منذ نهاية حرب أكتوبر... يعني تقريبا عندنا واحدة كل عشر سنوات... حاول تتذكر خرجنا إزاي من أزمتنا سنة 90 مثلا, لإن دة المخرج اللي ربما "أقول ربما" يكون أقرب الآن للوضع الحالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق