الأحد، 15 نوفمبر 2015

لماذا "يتدعشون"؟

سؤال الساعة بعد هجمات باريس و قبلها بيروت و قبلها الطائرة الروسية و و و عشرات الهجمات الأخرى ذات الطبيعة العنيفة و العسكرية / المخابراتية - من حيث التخطيط و التنفيذ- هو لماذا ينضم مئات من الشباب من خلفيات إثنية و إجتماعية و إقتصادية مختلفة لهذا التنظيم البائس؟ ما الذي يدفع شابا في مقتبل العمر أو شرخ شبابه للإنضمام لجماعة ما ترسي القتل و التصفية الجسدية كغاية ووسيلة لإنشاء كيان هلامي غير مُعرف و لا محدد لم يدركه أيا منهم في حياته الرغدة حينا و الصعبة أحيانا؟

ما هو التفسير الذي ينطبق على أبناء العائلات الثرية من مصر الجديدة و الطبقة العاملة الفقيرة من ضواحي بروكسل مثلا و يجمعهم في تضاريس صعبة و حياة لا يمكن وصفها بالرغد في بلاد لم و لن توفر لهم أي شيء؟ حتى لو صحت قصص الفتيات الأسيرات لديهم و التي يتزوجونها تحت مسميات غريبة فهل عجز هؤلاء و هؤلاء عن أن يجدوا فتياتهم في الوطن؟

هل هناك أصلا تفسير واحد يبرر لكل هذا الطيف المتنوع التحول من شاب عادي و ربما لطيف إلى قاتل محترف يزعم القتل بإسم الرب؟؟

هذه محاولة ساذجة مني و ربما ركيكة لتفسير هذا الأمر

إن الهوس الديني هو مسألة قديمة قدم الأديان نفسها, الهوس الديني كما أُعرفه هو التعلق بفكرة معينة لها طبيعة دينية أو لاهوتية و توحيد كل الأفكار و الألوان و الإختيارات و قراءتها من خلال هذا التعلق وحده فيصبح المرء كائنا أحادي الخلية, بلا عقل و لا قلب و لا مشاعر, هو فقط رسول ما لتنفيذ أمر ما. شهدت كل الأديان السماوية و الوضعية حالات واضحة من الهوس الديني يختلف من زمان لزمان و من مكان لمكان و إن كان الأمر في نهايته متشابه مشتبه. يتأله المهوس دينيا على كل الخلق بل و على رب الخلق بتفسير و تنفيذ أحكام نهائية غير قابلة للنقاش و لا النقض و لا الإبرام. و تختلف حضانات هذا الهوس بإختلاف الظروف و لكنها دائما خبيثة تظن أن لها القدرة على إدارة الهوس حتى حين.... و غالبا ما تفشل

شهدت اليهودية و لا تزال هوسا دينيا من بعض منتسبيها داخل الأراضي المحتلة و خارجها من أبناء المدارس الدينية و برعاية بعض الأحزاب و الأشخاص على غرار "شاس" و الحاخام عوفاديا يوسف

شهدت المسيحية و هي أكثر الأديان السماوية إنتشارا بجميع مللها قرونا كاملة كان فيها الهوس الديني هو الغالب و أنتج الحروب الصليبية و محاكم التفتيش و إنقاسامات لازالت أثارها بادية في دول بأكملها و جماعات من المخابيل كالكلوكس كلان "KKK" و الحزب النازي الألماني " NSDAP " بخلفيته القومية / الدينية و آخرين

و حتى الأديان الوضعية شهدت تطرفا و قتلا بإسم عقائدها

لم يكن الإسلام بمعزل عن هذا, فقد كانت الحرب بإسم الله قديمة من بعد وفاة الرسول "صلعم" بقليل و شهدت وقائع عنيفة بدءا من رفع القرآن على أسنة الرماح مرورا بكثير من الأحداث حتى يومنا هذا

كل المشترك بين هذه الأحداث هي إخلاص جماعة ما لفكرة عنيفة إخلاص لو أخلصوه لفكر عقيدتهم الأصلي لكانوا أسعد أهل الأرض

و لكن هل يفسر الهوس الديني وحده فكرة نجاح داعش - و هي إبنة سفاح لفكر القاعدة- في تجنيد ألاف البشر؟

الحقيقة أن ذلك لا يستقيم برأيي, فلا توجد فكرة أو دافع واحد يجمع كل هذه المشارب ليجندهم تحت لواء واحد من القتل و إستحلال - بل التلذذ- بالدماء

في أحد أفلام الحركة الأميريكية و الذي أُنتج عام 2012 بإسم "Jack Reacher" قال البطل طوم كروز "Jack Reacher" للبطلة روزاموند بايك "Helen Roden" في أحد المشاهد محاولا شرح لماذا قامت إحدى شخصيات الفيلم ذات الخلفية العسكرية بقتل عدة أشخاص عشوائيين بدون تبرير واضح 

"There are four types of people who join the military. For some, it's family trade. Others are patriots, eager to serve. Next you have those who just need a job. Then there's the kind who want the legal means of killing other people."

ترجمة الكلام بقليل من التصرف
"هناك أربع أنواع من الناس الذين ينخرطون في الحياة العسكرية, للبعض هو إرث عائلي. الآخرون وطنيون, يتحرقون للخدمة. بعد ذلك هناك من ينخرط لإحتياجه فقط لوظيفة ما. و أخيرا هناك النوع الذي يرغب في وسيلة قانونية لقتل الأخرين"

يمكننا بقليل من التعديل -إذا قبلنا هذا المنطق- أن نسقط نفس التفسير على داعش....
هناك من ينضم لها بميراث الفكر الجهادي الذي يستحل دماء الآخر لأسباب قد لا تجدي معه نقاشها كثيرا
هناك من ينضم "ظنا" منه أنه يدافع عن الدين -أي دين!- و يرى في هذه الحياة الدنيا إلهاءا عن هدفه الأسمى
هناك من ينضم للمزايا المادية و العينية و لا يعنيه أن يخدم الله أو الشيطان, ربه المصلحة

و هناك من يحتاج لوسيلة ما لقتل شخص آخر... لا يهم من هو... هناك شبق للدماء يحتاج للإرضاء

و غالبا بعد فترة يتحول الكل للنوع الأخير.............

"قد" يفسر ذلك هذا التنوع بين المنطوين تحت الراية الداعشية و تنوعهم, من غني يرى في الفكرة بريقا ما - لا أعرفه- لمختلين إجتماعيا و عقليا يحتاجون لمتنفس يبيح الذبح المطلق للصوص و قطاع طرق يتقربون لربهم زلفى -حسب ظنهم- و يمارسون السرقة "في الحلال" ..... إنه كإنشاء ناد للمجانين و المختلين و المهوسيين و جعل عضويته بالطلب.... لن يعجز ناد كهذا عن إيجاد أعضاء أبدا

السؤال... كيف تتخلص من ناد كهذا؟؟

الحقيقة المؤسفة أنك لا تستطيع... إنك لا تقضي على داعش -كمثال- للأبد, سيظهر غيرها بإسم آخر و تخريجات "شرعية" أخرى من وجهة نظرهم... إن التطرف و الهوس جزء من حياة الناس... إن الظن بالقضاء على داعش هو كإدعاء القضاء على الجريمة أو الفقر أو المرض... سيظل الطاعون يطل برأسه من هنا و هناك كل حقبة زمنية...

ليس معنى هذا أن نتقبل الوضع و نتعايش معه و نغض الطرف... حتى هذه الرفاهية و المقاربة لن تفلح و قد جربتها مثلا أوروبا عام 1932 مع صعود حزب العمال الألماني الإشتراكي القومي للسلطة "المعروف بالحزب النازي" و دفع العالم الثمن بما يزيد عن 50 مليون إنسان لقوا حتفهم في حرب مجنونة

لم تنشأ داعش اليوم و لم تنشأ في الفراغ الكوني لندعى أننا قد فوجئنا بها!!! داعش إبنة ثابتة النسب لعدد من التنظيمات و الأفكار و التفسيرات التي سبقتها و هي تقاتل على الأرض منذ سنوات في عالم به وسائل إتصال أكثر مما به من غذاء.... و لكن ما الذي فعله العالم ليوقف داعش؟؟؟

مسؤولية خلق و وأد داعش تقع بالدرجة الأولى على دول العالم الإسلامية... فمنها نشأت و فيها ترعرعت و منها تستقي الدماءين... دماء الحياة و دماء الموت... فمن الوقاحة أن نقول للعالم - المسؤول أيضا و لكن بدرجة أقل- أن عليه أن يعمل لإجتثاثها... و ماذا فعلنا نحن؟ ماذا فعل "رجال الدين" لدينا لها؟ كم رجل دين إسلامي تستطيع تسميته الآن يرى في داعش أكثر من "مجتهدين أصحاب أخطاء شرعية و هنات"؟؟ كم رجل سياسة حاول قتل "أسباب" الظلم الذي يحصل في بلادنا "الإسلامية" و ينتج بيئات حاضنة لقسم كبير من دواعش القول و الفعل؟؟ 

لو لدينا رجال يقيمون الدين و ليس "وظيفتهم" أنهم رجال دين و رجال سياسة و ليس أصحاب عزب و إقطاعيات ورثوها مع رتبهم العسكرية و أموالهم العديدة لربما لم تكن داعش الآن بهذا الخطر الذي صار واقعا و حقيقيا و مدمرا

ربما علينا أن ننظر عن إجابة عنوان المقال داخلنا أولا قبل أن نتهم مؤامرة ما خفية بخلق الوحش الذي ربناه بين ظهرانينا.... ربما علينا أن نفعل ذلك و لو حتى معذرة إلى ربنا عن دين و نفس أضعناهم كما لم يكن ليقدر أن يفعل أكثر خصومنا لؤما


هناك تعليقان (2):