تم نشر هذه المقالة بصفحتى على الفيس بوك يوم 26 نوفمبر 2011
تبدو أحيانا الأمور فى بلدنا غامضة و مريبة و ملتفة حول نفسها, و فى بعض الأحيان تبدوا واضحة بصورة ممجوجة. و فى الحالتين يوجد عشرات الأراء المختلفة المتطاحنة التى تكفر و تلعن بعضها البعض من كل شخص يدعى "وهو صادق الى حد بعيد" انه يفعل ذلك لحب البلد و بدافع الوطنية. كل هذه الامور المتضادة تشبه علاقة حدى المقص, فكلما اقتربنا من بعضنا زادت احتمالات الوقيعة......
حسنا, كفانا فلسفة فارغة و لندخل فى لب الموضوع, ماذا يحدث الان و ماذا سيحدث بعد؟؟
أولا أنا لا أؤيد الفكرة التى تقول بأن المجلس العسكرى خائن, ليس لتعففه و لكن بسبب طبيعة العمل العسكرى و العقيدة التى تربى عليها هؤلاء الضباط فى عقود عملهم التى تصل بالبعض الى 5 عقود من الخدمة المتصلة فى سلك القوات المسلحة. هم يعتقدون انهم على حق, وهذه فى الحقيقة سمة مصرية أصيلة من رفض المعارضة و لعن الاختلاف و تكفير الخصم أو فى أفضل الأحوال تتفيهه و تقزيمه و سحب المهين و المشين من الصفات عليه. المجلس يفعل ذلك مع الثوار و فئات الشعب المختلفه بالتجاهل و التكبر بينما يجلس مع اناس من عينة "رفعت السعيد" و "السيد البدوى" الذين يستحقون العزل السياسى أكثر بكثير من شخص مثل الجنزورى, السلفيين و بعض من ينتمون لتيار الدين السياسي يفعلون ذلك بتكفير البعض أو تجهيله ليتمكنوا هم من السيطرة و الركوب على عقولهم و ظهورهم. حتى عوام الناس يفعلون ذلك بصورة أو بأخرى, كلنا ذلك الرجل فهى عادة مصرية أصيلة و متأصلة فى رفض و قمع الاختلاف أو الاكتفاء –ان كنت مهذبا- بتجاهله و الترفع عنه.
اذن نعود للمجلس, هم يعتقدون عقيدة يقينية لا تقبل الشك انهم على صواب و حق, حتى و ان قالوا بغير ذلك, فهم مضطرون ايضا للحفاظ على الشكل العام بادعاء حب الديمقراطية و قبول قواعدها و لكنهم يعلمون ان الديمقراطية فى الجيش خروج على الضبط و الربط. تخيل معى موقف الحلاقين لو أن كل الشباب قرروا ان يصبحوا خنافس, ماذا تتوقع منهم, سوف ينعتون الكل بانهم اصبحوا شواذا و لن يعتبرونها حرية راى. نفس الأمر مع العسكر. أضف الى ذلك عنصرا ثانيا مهما و هو عنصر السن, الجيش تكوين هرمى بنفس القواعد الأساسية للحياة العسكرية منذ أقرها بسمارك و جيشنا أيضا فى مجتمع هرمى يقدس الكبير و لو كان مخرفا و يستبعد الصغير و لو كان نابها, راجع حياتك أنت و ستجد عشرات الأمثلة التى تم استبعادك أو على أقل تقدير السخرية من أفعالك و أراءك بسبب سنك . نتاج كل ما سبق أن المجلس الأعلى يقوم بما يقوم به بيقين انه الوحيد الذى يعلم و الباقى جهال دهماء يجب حمايتهم و بالأخص من أنفسهم و ينطبق عليهم مقولة أن "الحرية أغلى من أن نتركها للعبيد يفعلوا بها ما شاءوا". يزيد من هذا الأمر حجم السلطات التى توفرت فى يد هؤلاء الأشخاص التى لم تتوفر فى يد جهة واحدة من قبل على مدى التاريخ من أيام الملك الإله, فهم ينفذون و يشرعون و يصدرون دساتير و يعدلوها و يسنون قوانين و يلغون أخرى بدون العودة حتى للشعب الذى تحول –و يالسخرية- بعد الثورة الى درجة أقل مما كان قبل الثورة دستوريا. يفعلون كل هذا و يفشلون –بالادعاء الكاذب- فى وقف الاعتداءات على الثوار فى محمد محمود.
المجلس العسكرى ليس خائنا –وأكرر ذلك عن قناعة-, المجلس العسكرى متعالى و متكبر و مشروع ناجح حتى الأن لديكتاتور أسوأ من مبارك, المجلس هو فؤاد المهندس فى سك على بناتك حين كان يسأل أحمد راتب "تقعد هنا و لا هنا؟؟ تأخد نادية و لا سوسو؟؟......إلخ" و هو لا يسأل الا ذرأا للرماد فى العيون, فالقرار صدر و للمعترض الحق الكامل فى العض فى البلاط. و هو فى ذلك يشبه الأخ الكبير الذي لا يمنح الميراث للإخوة الباقين حتى لا تتفتت الثورة أو الأرض, فرغم ما يقد يظنه البعض من نبل الهدف الا انه يظل عملا حقيرا ملتويا
المجلس ليس وكيلا عن الشعب فى هذه الثورة و انما المجلس –الذى أعتقد أنه حقا كان يكره جمال مبارك و كان ضد التوريث- وكل الشعب فى الانقلاب على قيادته ثم قرر ان يأخد اللعبة من يد الطفل قبل أن "يشبط" فيها.
اذن هل المجلس "وحش"؟ ليس بالضرورة, الحقيقة أن المسألة تعود كلية الى الطريقة التى تنظر بها للأمور و كذلك الى نظرتك الحقيقية للثورة بصرف النظر عما تصرح به للناس. الحقيقة التى أؤمن بها ان هناك الكثير على أكثر من مستوى مادى و اجتماعى لا يرى الثورة على أنها عمل جيد مطلقا. و على عكس ما يظنه البعض, انا أعتقد أن أصحاب هذا الرأى من الطبقات العليا من المجتمع أكثر بكثير من هؤلاء الموجودون فى الطبقات الدنيا, و أن هذه الثورة قد تؤثر سلبا –ان نجحت, فهى لم تنجح بعد- على الطبقات فوق المتوسطة و العليا أكثر من غيرها. قد يدهشك مدى العدد الذى حقيقة لا يرى الثورة على أنها خير أو حتى حق مشروع. على رأس هولاء الناس, المجلس الأعلى
لاستكمال وجهة نظرى, ما يحدث الان أراه كالاتى, المجلس لا يحترم- قد يحب من باب الأبوة و طيبة القلب و لكنه لا يحترم-الثورة و الثوار, يراهم صداعا و زوائد يجب تهذيبها بالحسنى أو بغيرها. و يرى أن طول المدة ستنبه الغافل لقلة أدب هولاء من وجهة نظره. و المجلس لا ينتوى الاستيلاء على السلطة و لا حتى اعادة النظام القديم و انما ينتوى عمل نظام جديد –ليس بالضرورة ما أريده أنا أو أنت- يكون الجيش فيه حاميا للشرعية و مقيما لما هو شرعى و ما هو غير ذلك , و لتذهب كل وثيقة السلمى للجحيم و لتبقى المواد 9 و 10 بأى مسمى لحماية الدولة كما يرونها هم. راجع تصريحات اللواء ممدوح شاهين اليوم للتأكد مما سبق. الجيش يريد تركيا عام 1980-1990
كيف عرفت؟ هذا تقييمى من قراءة المعطيات و قد أكون على حق تماما أو جزئيا أو حتى قد أكون مخرفا تماما.....المهم ما تعتقده أنت و ليس ما أعتقده أنا.
السؤال التالى, هل فى حال نجاح المجلس فى عمل ذلك ستصبح مصر دولة متخلفة؟؟ ليس بالضرورة. هل من الممكن أن ينزلق الى تزوير الانتخابات لعمل ذلك؟؟ صدقا, لا أعتقد أنهم من الممكن أن يفعلوا ذلك و لكن لا شئ مستبعد.
اذن, المجلس الأعلى ليس عدو الشعب و لا الثوار, و لكنه قطعا عدو الثورة, لذا فهو يقفز على القانون و الدستور الذى وضعه رغما عن الشعب و مع ذلك فهو لا يساوى فى نظره الحبر الذى كتب به, و يبقى على حالة طوارئ عاهرة كسيف مسلط وقتما احتاج اليه
إذن ما الحل؟؟
هل أملك الحل السحرى, بالطبع لا, فانا صاحب وجهة نظر و هى أدنى درجات الانجاز الانسانى, اما الفعل فهو لمن يغيرون التاريخ فعلا.
ولكن وجهة نظرى هى أن المجلس يخشى من أشياء 3 و باستخدامها نتمكن من كسبه لصف الثورة (و لا أقول اجباره, فلا زال ممكنا استقطابه لصف الثورة قليلا)
أولا: المجلس يخشى وحدة الناس على قلب رجل واحد, و الان مصر بها حزب و ائتلاف لكل مواطن و هذا من قبيل الخرف السياسى, الاتجاهات السياسية الانسانية الاساسية لا تزيد على 4 أو 5 و يمكن ان يمثل كل اتجاه بحزب واحد تتعدد داخله الاتجاهات, اما كل هذا العدد من الانقسامات فهو لا يخدم الا المجلس و المجلس فقط. و على هذا فان غياب رمز أو قيادة للثورة الان لا يعد سوى مذبح نقدم عليه الثورة لمن يريدون قتلها. لو ظهرت الان قيادة موحدة تتكلم و تتفاوض باسم الثورة-حتى ولو لم تحظى باجماع 100%- فسوف تخطو الثورة خطوة لا تقل عما تحقق فى 11 فبراير.
ثانيا: انضباط الوضع الأمنى. نعم, المجلس لا يريد أن يصبح الأمن كما يريد المواطن فهذه هى الدمية التى تشغل الناس و الفزاعة التى تلم كل الثعابين فى جحورها. انضباط الوضع الأمنى لن تتحقق الا باصلاح الشرطة و هو ما لن يحدث الا باجراء جراحة فى رأس الجهاز لم تتم حتى اليوم و نقل مسئوليته و قيادته لشخص من خارج الجهاز مع اجراءات حازمة جدا تشتمل على احالة عشرات و عشرات من كل الرتب للاستيداع و تغيير كلى لفلسفة عمل الجهاز و نقل تبعيته للبرلمان أو القضاء. و هو شئ أيضا لا يريده المجلس الذى داس القانون و الاعلان الدستورى بحذائه العسكرى الثقيل و لكن لم يقم برفت الضباط المتهمين بقتل الثوار بدعوى ان القانون لا يسمح.
ثالثا: العصيان المدنى, هذه هى كلمة السر وراء نجاح خلع مبارك و هو سلاح قوى للغاية و لكن يجب استخدامه بحرص بالغ لانه من الممكن ان يكون له نتائج عكسية.
مما سبق أرى أن الحل الوحيد هو تكوين قيادة للثورة, ارى ان تكون قيادة "ليست" صغيرة السن ليتم أخذها على محمل الجد فى المجلس و أمام الجماهير و تكون ذات ثقل دولى "شخصيات مثل الباز, زويل, البرادعى.......خلقت لهذه المهام "تذكروا محمد نجيب فى 52 مع فارق النهايات" لتصبح مفاوض الثورة بمعاونة عدد من شخصيات الصف الثانى. يجب الضغط بكل قوة ممكنة لاصلاح الوضع الأمنى و السيطرة على اسم الوزير الذى سيمسك بحقيبة الداخلية القادمة, اصلاح الشرطة مسألة حياة أو موت. يلى ذلك التفاوض على المطالب واحدة واحدة ياستخدام ضغط التظاهر و الاعتصام و العصيان المدنى الشامل اذا دعت الضرورة. مع الوضع فى الاعتبار ان التفاوض يعنى الصبر و كذلك بعض التنازلات مع وضع الهدف الأسمى قيد النظر, و كلما نجح المفاوض فى الحصول على مكاسب أكثر كلما ضعف تماسك المجلس امام الثورة, وفى الوقت المناسب يمكن للمفاوض أن يعرض بعض المزايا الخاصة على المجلس من اعفاء من اى ملاحقة قانونية او ما شابه و هو ما لا يساوى اى شئ قياسا على النتائج المطلوبة.
أخيرا, لا يمكن للثورة تحت "اى" ظرف-بما فيها التزوير- الاعتراض على نتائج الانتخابات. لو حدث ذلك ستخسر الثورة اكثر مما نتصور و هو ما لا يجب ان نسمح بحدوثه. لو جاءت نتائج النتخابات على غير هوى الثورة فتأكدوا ان العيب ليس فى الانتخابات او الشعب و انما العيب فى الثورة و عندها يقع عبء الاصلاح و تغيير الذات علينا لنصبح خيار الشعب المفضل فى الانتخابات التالية........و سوف يكون هناك انتخابات تالية انشاء الله
و الله من وراء القصد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق