السبت، 14 أبريل 2012

اللوغاريتم المصرى

نشرت هذه المقالة بصفحتى بموقع الفيس بوك فى 18 مارس 2012

منذ كنت صغيرا لدى شغف و انبهار بالرياضيات, و للإخوة ذوى الأصول الأدبية أعنى علوم الحساب و ما نشأ منها من جبر و تفاضل و تكامل و خلافه. هذه العلوم تمثل المنطق على إطلاقه و هي ببساطة (واحد زائد واحد يساوى اثنين)

و كنت منبهرا بكبار علماء الرياضيات من أول فيثاغورس مرورا بالخوارزمي و انتهاء بجون ناش, و كنت أرى فيهم دائما رمز العقلانية و الخضوع لثوابت الكون و محاولات الاستكشاف و الفهم أكثر من محاولات فرض وجهة النظر و الرأي.

طب ما الفائدة من هذا اللت و العجن؟ ...................................لماذا لا نجرب مقاربة جديدة للوضع في مصر, خالية من العواطف (قدر الإمكان) و حاسبة فقط لحساب الوقائع و ما يمكن إثباته و ليس ما نتمنى وجوده؟ سأحاول عمل ذلك مستلهما روح عظماء الرياضيات...................و نبدأ العك:

مبدئيا لنراجع ما لدينا من حقائق:
  • وقعت في مصر في الخامس و العشرين من يناير هبة شعبية وصفت في حدها الأدنى بأنها انتفاضة أو حركة إصلاحية و في حدها الأقصى بأنها ثورة
  • اختلفت المسميات لأن تعريف الثورة (في أغلب الأراء المعتد بها) تتطلب حدوث تغيرات سياسية و اقتصادية و اجتماعية للوصول إلى مستوى الثورة. و الخلاف بالأساس يقع على مستوى التغييرات التي ترتبت و ليس على حدوثها من عدمه. (في قناعتي الشخصية هى ثورة حسب التعريف السابق الا ان موجاتها الحادة انتهت و بدأت موجاتها الناعمة)
  • سقط رأس النظام (و ليس رأس الدولة) و معه الصف الأول من طبقة الحكام (عائلته و المنتفعين المباشرين منه...........قديمهم و جديدهم)
  • بقيت بنية الدولة على حالها بلا تغيير يذكر من الناحية التنظيمية و الهيكلية و لكن بتغييرات واضحة (سلبية) من ناحية الأداء. فبقى رؤساء الجامعات و السفراء و ووكلاء الوزارات و بعض من الوزراء.....(باختصار, كل من يدير دولاب العمل في مصر). و كان ذلك أمرا بديهيا, فان كانت الثورة أسقطت الدستور فهي لم تسقط القانون, و بالمثل أسقطت الثورة رأس النظام و حواشيه الأساسية و لكنها أبقت على جلد النظام و عظامه و دمائه و أمعائه (و فايزة أبو النجا طبعا).
  • أزالت الثورة النقاب عن (و لم تخلق) مدى رخاوة الدولة في مصر و عجز نظام يوليو و شيخوخته. فبسقوط رأس الدولة, بدا بوضوح ما كان حقيقة مستترة من انهيار مؤسسات الدولة الأساسية, و بدا أن الشرطة و القضاء و الحكومة بل و الجيش في حالات متفاوتة من الضعف و بدت مصر (الدولة و الشعب) أشبه ما تكون بدولة المماليك أو السلاجقة في اواخر ايامها عندما زالت بلفحة هواء بارد, و ظهر أن ما بدا أنه دولة في القاهرة ليس أكثر من نكتة في سيناء أو قنا أو الوادي الجديد
  • أصبح واضحا مدي فقدان الثقة المتبادلة بين الشعب و مؤسساته كافة بل و بين أفراده أنفسهم, لدرجة أن البعض يحاول أن يعثر على اى نموذج (تركي, باكستاني, سعودي, تونسي......بل و أفغاني) لتطبيقه و السلام و هو أمر مفهوم في ظل حالة غياب الهوية الوطنية و الرؤية و لكنه غير مفهوم في ظل التراث الشعبى المصري القوي. عموما هذه النقطة تحديدا هى نهاية طبيعية لنظام تعليم مصرى معوق (بفتح الواو و كسرها)
  • رغم عظمة ما حدث في مصر و تفرده إلا انه و ياللعجب لم يفرز قيادات وطنية ثورية من الشارع ذات ثقل شعبي و ما هو ما لا يمكن تفسيره في ظل المعطيات الحالية إلا بأن الشعب قد تحرك ضد () أكثر مما تحرك مع ()
  • المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشخوصه و القوات المسلحة بعمومها بدأت الأحداث بمكاسب تقارب ما حصدته في 73 و أنهته بخسائر تقارب ما حدث في 67 (حسب بعض الأراء من داخل الجيش و أنا أراها صحيحة). و بدا أن المجلس العسكري يتردد بين خيبة الأداء و الشك في النوايا.
  • أمسى المجتمع منقسما داخل الحكومة و البرلمان و الجيش و القضاء و البيت, ليس انقسام احترام الرأى و الرأى و لكن انقسام الاقصاء و التخوين و التكفير في الوقت الذى يقبع فيه المخلوع في غرفة أنيقة مكيفة يضحك ملئ فيه على (هبلنا)

طب و ايه يعنى الخلاصة من العكننة دى؟ نلم العدة و نطلع على البرازيل زى ما قال واحد صاحبى النهاردة؟؟!

نرجع للرياضيات و المعادلات............................

الرياضيات هى الواقعية في ثوبها المطلق و هى أحد وجوه القانون الذى عرفه أرسطو بأنه (المنطق, متحررا من العاطفة). و عليه سنلجأ لتحليل هذا الوضع من خلال الوقائع السابقة و بالمعادلات.

المعادلة الرياضية هى جانبين من المجاهيل بينهما علامة يساوى, المشكلة في مصر في تقديرى أن قيم المجاهيل في هذه المعادلة لازالت غير معرفة لنا (و في بعض الأحيان لهم أنفسهم)

المجاهيل في المعادلة حتى الأن (مع اختلاف أوزانهم النسبية) هم القوات المسلحة, الإخوان, السلفيين, اليسار المصرى و النقابات و العمال, الحركات الاحتجاجية في الشارع (6 ابريل, كفاية......), فلول النظام و المتضررين بصورة مباشرة من الثورة, الرئيس القادم....................و هم هكذا دون ترتيب. جميع هؤلاء يتحالفون و يتصارعون على بقية الشعب

لا شك في اعتقادي أن اللاعب الأكبر فيهم في الفترة القادمة هم القوات المسلحة و الإخوان و الفلول و الرئيس, الباقون سوف يقومون بالظهور في مشهد أو مشهدين حسب الضرورة و منهم من سيظهر في مشاهد كثيرة و لكن في زاوية الكادر دون تأثير حقيقي. فمثلا السلفيين سوف يستقتلون في معركة الدستور لتغيير المادة الثانية حسب رغبتهم و يتركوا الباقي طمعا في استخدام ذلك لتغيير ترسانة من القوانين لتناسب تفسيرهم الخاص لنصوص الشريعة و كفاحهم الخيالى لهداية المجتمع بالجذمة. بينما ستظهر قوى الشارع الشبابية (و خصوصا اليساري منها) في مشاهد احتجاجية كثيرة بدون أثر حقيقي على الأرض (إلا في حالة فوز حامدين صباحي بالرئاسة أو بمنصب نائب الرئيس فربما تتغير الخريطة)

القوات المسلحة الان في حالة ترتيب الاوراق و تستيف الشنطة, الخروج باقل الخسائر من مرحلة انتقالية عبثية و مؤلمة لمرحلة انتقالية جديدة غامضة (ايووون, احنا رايحين على مرحلة انتقالية جديدة بعد انتخابات الرئاسة, لو معترض.....اشتكي), وزير الدفاع الجديد القادم (مراد موافى؟؟؟!!!) عليه مهمة ثقيلة جدا في تقديري. سيكون هناك عملية خروج جماعى و احلال و تجديد في الصفوف العليا بالجيش, خصوصا اذا لم يفز مرشح بخلفية عسكرية (بالطبع في هذه الحالة ستضمحل لدرجة الاختفاء مناصب المحافظين و رؤساء الهيئات و رؤساء الاحياء التى كانت تمثل مكافأة نهاية الخدمة لكثير من الضباط) و ستكون هناك محاولات مستميتة لاعادة بناء صورة الجيش التى اهتزت في تقديرى

الاخوان, افضل من يلعب (و يفهم أيضا) سياسة في مصر بكل حيلها و توازناتها وصفقاتها و قذاراتها أحيانا. الاخوان يميزهم ميزتان عن باقى القوى..............طول البال و قوة التنظيم. الاخوان حريصون على وحدة صفهم لعلمهم بأنها سر قوتهم. كما أنهم بعد سبعين عاما مدركين تماما لحجم قوتهم و ان كانت لا تزال اعينهم لم تعتاد على أضواء السلطة. يعيبهم حتى الان (كما يعيب الباقين) شطط بعض شيوخهم ممن خبروا السجون اكثر مما خبروا بيوتهم و لا يزالون يتصرفون كما تتصرف المعارضة و ليس الاغلبية. في اعتقادى ان الاخوان لا يريدون الرئاسة حقا (و هم لذلك اقصوا ابو الفتوح) فهم يريدون التدرج في الامر رويدا رويدا. و اعتقد ان كل ما يشغلهم الان بعد ضمان رحيل العسكر هو الدستور و النجاح الباهر لحكومتهم فيما بعد الانتخابات في النواحى الاقتصادية و الأمنية ليثبتوا للجميع (و لانفسهم) انهم على حق.

الفلول, و هم شماعة كل المصائب و قد يكونوا كذلك أحيانا و أحيانا أخري لا. أنا لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة الكونية الكبرى لانى لا اعتقد بتفوق عدونا علينا و انما اعتقد في خيبتنا التقيلة القوية. الفلول و امريكا و اسرائيل و تلك الكيانات الخرافية التى تملك قدرات إلهية ترفعها لمراتب سماوية في مخيلتنا نحن فقط, ليس معنى ذلك انهم طيبون و ولاد حلال, و لكنهم يعملون لمصلحتهم فقط و لا ينبغي ان نطلب غير ذلك, الدور و الباقي على من اختار ان يخلق عدوا و يمنحه قدرات سوبرمان و سبيدرمان و باتمان معا ثم يجلس لينتظر كابتن ماجد لينقذه من كل هؤلاء. صدق الدكتور معتز عبد الفتاح حين ذكرنا بالمثل القائل (اذا كان عدوك يدمر نفسه, فلا تقاطعه). الفلول لا يحاولون اعادة مبارك, بل يلعنون سلساله. انهم يحاولون ضبط ايقاع اللعبة فقط لمصلحتهم

الرئيس......................اللغز القادم. يشبه الوضع كثيرا مسرحية (في انتظار جودو) لبيكيت, لسان حال الناس اننا في انتظار نبى و ليس رئيس. النتيجة المتوقعة أن نحصل على بني ادم و لكن هل سيقبله الجميع؟؟؟ بالطبع لا و هذا شأن طبيعى و لكن المترتب على ذلك هو اللغز. من المبكر للغاية الحكم على من هو صاحب الحظ الأوفر, ففي اعتقادي أن الانتخابات إن أجريت اليوم ستكون نتائجها مختلفة تماما عما سيحدث في مايو. الرئيس القادم مؤقت, لان الملفات المنتظرة تحتاج الى شخص يتم حرقه شعبيا ثمنا للهدوء و الاستقرار املا في بداية الاصلاح (الحقيقي) بعد الفترة الرئاسية القادمة (التى قد تكون بنظام دستوري مختلف). كلمة السر في الرئيس القادم ليست من هو, و انما من هم مستشاروه و مساعدوه و طاقمه. هؤلاء هم الحكام, و هؤلاء هم من سيصنعون الفارق. و هؤلاء هم من عليهم العبء الأكبر (أرجو أن يقرأ الدكتور معتز هذه المقالة)

انتهاءا (اذا كان قلبك جابك تفضل تقرا لحد هنا), انا أعتقد ان المثالية في مصر لا تزال فوق الواقعية (و انا شخصيا اعانى من هذا الامر بس باحاول اتعالج) و لكن اعتقد ايضا ان هذه الشعب له صفات عجيبة مدهشة.................عجينة كدة من الفطنة و الفهلوة و الطيبة مع الشر اللذيذ تجعله لينا فلا يكسر و صلدا فلا يعصر



.......................و الايام بيننا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق